هو النقد.. هو ذلك الانسكاب اللفظي على كل إضاءة، شعرية، أو هو ذلك التقصي الإفصاحي عن كنه ومضمون البوح شعراً وحكاية.
للشعر العربي مجد في ذاكرة الناقد الدكتور حسن الهويمل.. لكنه رأي لا يلبث أن ينقلب على أي تجريب يصنع من المفردة خطاباً يفر من أسار المستحيل، حتى باتت رؤيته محملة على هذا الاتجاه في التناول وإن أبان حقيقة الالتقاء الممكن مع بعض الرؤى باعتبار أن التحديث مشروع لا يمكن قهره أو التنصل من حيثيات وجوده في ذائقة التلقي لاسيما القصيدة الحديثة التي تعد هي السجال القوي بين الناقد الهويمل وخصومه شعراء ونقاداً وقراء.
هو النقد.. نعم هو الدكتور حسن الهويمل منذ أن وعينا مشروعنا الثقافي والأدبي.. ظل هذا الناقد مشرعاً رأيه الافصاحي فيما تلهج به ألسن الرواة شعراً فصيحاً أو نثراً مليحاً.. أو قصيدة تتدثر بمنسأة البوح فتنة في المقولة ومجافاة لما بات يعرف من تقعيد، ووزن وتقفية.. حتى أضحى علامة فارقة في الافصاح نقداً مما يجيش في صدور المتلقين للقصيدة برؤية خليلية، دؤلية بحتة وصرفة.. لكنه ظل موائماً بين الرؤى التي يؤمن بها وبين واقع يدر لبن الفأل بأن القصيدة هي القصيدة حتى وإن اختصم القوم حول مدلولاتها، ومنعرجات مقولاتها قروناً طويلة.
ظل الهويمل يتقن فن المشاكسة، ليبني من هذا الافتتان مقاربة تضوع معرفة، وتمرساً في سرد فعاليات النص.. بل انه يتقن معرفة - ما يحسبه - حكاية خلفية للقصيدة التي يشعر دائماً أنها تقوم على لغز قد يحير الآخرين إلا أنه يرتهن الاستطراد في تمثل النص حتى النخاع، ليخرج لنا نحن القراء برأي لابد أن يكون آخراً.. بمعنى أنه مشاكس أو مقاوم للفكرة الأم لكنه رأي مدهش تشفع له ثقافة الرجل وميله الشديد نحو الإبانة والافصاح حتى وإن كان على حساب مسلمة نص لا تحتمل التأويل أو الحدس أو المثابرة استشرافاً لكنهه أو استقصاءً لبعدها التأثيري بوصفها جزءاً من كيان النص ووجوده.
يظل الناقد الهويمل مدركاً واعياً لحقيقة ما يقال حول القصيدة الحديثة تحديداً، بل نراه لا يتراجع عن رأيه حولها حتى وإن كان أمام حقيقة شعرية متكاملة.
الناقد الدكتور حسن الهويمل يستند دائماً على القصيدة الأم، وعلى المقولة العتيقة.. تلك التي تنهض دائماً نحو مسلمات ثابتة لا جدل فيها أو حولها، لكنه ناقد يطيل التأمل - نقداً عاتباً - في المقولة الشعرية الخارجية من خباء كينونتها الأولى.. فهو الذي يريد دائماً أن تكون مسيرة الشاعر مكتملة النمو متدرجة التكوين، فلا مجال في (نقده) للتجريب الذي يرى الكثير من المبدعين أنه بات ضرورة لكي نخرج من ربقة الماضي وحزن قصائده ووعورة معانيه.
رأي الناقد الهويمل دائماً قيد الغائب.. ذلك الكيان التخييلي المفصح عن اعتلاجه وتحفزه للخروج من أسار ربقة المستحيل الذي لا يتعجل ولادة الابداع في أي لحظة إنما قد يتم تأجيلها حتى تكون القصيدة وصاحبها قيد الخروج الممكن لها.
فالكل لدى الناقد الهويمل يهرولون نحو تمثل القصيدة الحديثة حتى وإن لم تنضج بعد، بل يراهم في أكثر من مناسبة بأنهم فوضويون في خروجهم الشعري على الملأ.. إذ هو في سياق كهذا لا يرى التجريب مسلمة وتقتضي التعاطي معها باعتبارها مرحلة من مراحل السير عبر طريق شعري ومعرفي شائك، انما هي كيان دخيل لا يدمن الوقوف ضدها على نحو ما يدوم في مقولاته وخروجاته تبقى للناقد الهويمل هويته الخاصة في التناول ويبقى رأيه في الطرف الآخر من معادلة التناول ذلك الذي يدفع غالباً باتجاه تجاهل التجريب كتابة والتذوق قراءة.. فلابد أن نكبر في الرجل مجالدته في المقولة التي تنبني على رأي يشرع للحقيقة أبوابه الكثيرة تيقناً بأهمية تعدد الآراء وهو ما نريده هنا أو هناك.