لم يكن عام 1373هـ عاماً كغيره من الأعوام الأخرى على أهالي وادي الدواسر، فلقد كانوا جميعاً في يوم 10-11-1373هـ على موعد مع لقاء ملك المملكة العربية السعودية صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، والذي خلف والده - رحمه الله تعالى - صقر الجزيرة وموحد كيانها ومرسي دعائمها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله تعالى - بعد وفاته يوم الاثنين 3-3-1373هـ، حيث انطلق الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - على رأس وفد مكون من عدد من مديري المديريات والهيئات الخدمية لتفقُّد أحوال رعيته في كل شبر من المملكة العربية السعودية متخذاً من قول الله سبحانه وتعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً ودستوراً إذ يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ليقف بنفسه على كل ما تحتاجه كل مدينة وقرية وهجرة من احتياجات ونواقص خدمية واجتماعية وصحية وتعليمية وزراعية، فبعد أن وصل إلى مدينة السليل والتي تقع شرق وادي الدواسر على طريق العاصمة الرياض، حيث أكرمته تلك المدينة بحسن أخلاق أهلها وكرم الضيافة العربية الكبير، ثم أوقف موكبه - رحمه الله تعالى - في مدينة تمرة حيث استراح في أحد بساتينها الخضراء والعامرة بالرطب والعنب والماء فأكرموه ومكث بها حتى صلاة العصر، حيث انطلق موكب جلالته - رحمه الله - باتجاه مدينة وادي الدواسر والتي استعد أهلها لزيارة الضيف الكبير استعداداً متميزاً نصبت فيه الخيام على الطرقات وأولم له بالذبائح وأعدت الصواوين لضيافته، ووقف الرجال لاستقباله والأطفال لرؤية جلالته فرحين بهذه الزيارة الميمونة .. فكان كل ما مر على مخيم من مخيمات الأهالي والقبائل أوقف موكبه ونزل يسلم عليهم ويتفقد أحوالهم وسألهم عن احتياجاتهم وتناول معهم القهوة والشاي وشاركهم ولائمهم التي أُعدّت على شرف جلالته واحتفاء بمقدمه، كما شاركهم العرضات والفنون الشعبية المحلية التي أقيمت بهذه المناسبة فأكرمته القبائل عمومها أيما إكرام، واحتفت به احتفاء منقطع النظير وسعدوا به سعادة لا حد لها ولا وصيف .. حتى أنه لا يزال يخلِّدها الكبار ويؤرِّخون التاريخ بها ويردِّدونها بكل فخر واعتزاز لأبنائهم ليحفظها التاريخ شاهداً على حرص ولاة أمر هذه البلاد على تفقُّد أحوال الرعية .. ومما يذكر عن هذه الزيارة الخطبة التي ألقاها الشيخ سعد بن مرضي الدوسري المعروف ب(طيشان) - رحمه الله - نيابة عن أهالي النويعمة، حيث قال: (سيدي صاحب الجلالة إن هذه الجموع المتراكمة لما أحست بقدومك الخبر أصغينا لك المسامع والبصر وباتت الرعية باستبشار .. سجل يا تاريخ، سيدي صاحب الجلالة لست من أهل الفراسة وإنني مقصر عن الدراسة، ولكن فضائل الشيوخ أغرقتني فظهر لي بذلك بصيرة سجل يا تاريخ، سيدي صاحب الجلالة: إن أهالي وادي الدواسر ينظرون إلى زيارتكم الكريمة بمنظور العمل والأمل وزيادة في كل حال وشان .. سجل يا تاريخ سيدي إننا نعاني من قلة زيارة الحكماء (الأطباء) والمهندسين الزراعيين للمكائن المائية والمدارس والدعاة وأنتم يا صاحب الجلالة إنكم خير من استرعاه الله في رعيته فأنتم أصحاب المناقب العظام والتي نذكر من مناقبكم ما قد حصل لوالديكم في الحريقة والحرم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
فتقدم أحد الأعيان ومعه ما يربو على 30 طفلاً يبلغون من العمر ما بين التاسعة والثانية عشرة فقال لجلالته: (أطال الله عمرك .. إن هؤلاء يرغبون في التعليم ودخول المدارس ولكن لا يوجد لديهم مدرسة يتعلمون فيها القرآن الكريم والكتابة والحساب) فتبسّم الملك سعود وقال له: (خيراً إن شاء الله ستسمعون ما يسركم).
وبعد نهاية زيارته لأهالي وادي الدواسر قدم لهم جزيل الشكر وأغدق عليهم العطاء داعين له بطول العمر وحسن العمل، ثم اتجه - رحمه الله تعالى - إلى جنوب الجزيرة العربية باتجاه بلاد عسير، وبعد مضي أشهر قليلة على زيارته توالت على وادي الدواسر ثمار زيارته - رحمه الله - فأمر بافتتاح ثلاث مدارس تم افتتاحها في كل من الشرافاء والنويعمة والولامين عام 1374هـ، استقدم لها المعلمون من خارج وادي الدواسر ومن خارج البلاد ودرس بها عدد كبير من أبناء الوادي آن ذاك، كما تم تأهيل عدد من أبناء المنطقة للتدريس في هذه المدارس.
كما أمر - رحمه الله تعالى - بافتتاح مستوصف صحي لأهالي وادي الدواسر وسير مركزاً صحياً متنقلاً لعلاج المرضى ونقلهم إلى الرياض لمن تستدعي حالتهم لذلك، كما أرسل المهندسين والميكانيكيين لإصلاح المكائن المائية وأمر بعدد من سيارات النقل لتسيير رحلات الحج للراغبين في أداء الفريضة إلى مكة المكرمة، ثم توالت المشاريع مثل الأمر بإنشاء مستشفى وادي الدواسر العام والذي لا يزال قائما إلى الآن ثم أمر - رحمه الله - بافتتاح مدرسة تمرة الابتدائية عام 1379هـ ومدرسة النويعمة المتوسطة عام 1381هـ .. وفي عام 1383هـ تم افتتاح مدرسة محمد بن عبد الوهاب ومدرسة القويز الابتدائية. كما أمر بحفر آبار المياه للسقيا وسقيا البادية على أطراف وادي الدواسر وأغدق - رحمه الله تعالى - من العطايا وأجزلها على أهالي وادي الدواسر، وقد أرّخ أحد الشعراء مسيرة موكب جلالة الملك سعود إلى وادي الدواسر فقال: