النصيحة من أغلى الأشياء في حياة البشر، إن لم تكن أغلاها، فالكل يحتاجها، ولكن ليس الكل يعطيها، الكثير من الناس يودون أن ينصحوا غيرهم لكنهم يفتقدون الأسلوب والوسيلة لذلك النصح، والبعض هم في أمس الحاجة للنصيحة غير أنهم لا يقبلونها إلا بشكل معين وبطريقة خاصة، وتبقى النصيحة فنا لا يجيده إلا القلة من الناس، (الدين النصيحة) و(رحم الله امرأ أهدى لي عيوبي) ورغم ذلك نظل بحاجة إلى دبلوماسية النصح والتناصح.
هكذا كان اختيارنا لمحور النقاش لهذا الأسبوع، وطرحناه - كالعادة - على أصدقاء المنتدى الذين عودونا على مساهمتهم السخية ومشاركتهم الفاعلة، وحقا كانت مداخلاتهم ذات مدلولات مهمة تقرؤونها في الأسطر التالية كما جاءت عبر اتصالاتهم الهاتفية.
بدرية الصالح - بريدة: النصيحة هدية عظيمة ولا سيما إذا كانت من محب غير شامت نحن بحاجة إليها كلما حارت بنا الطرق بها نستدرك الخطأ الذي يعترينا فيلون العلاقات بلون رمادي فنجني على أنفسنا وعلى من نحب فأين من يمسك بأيدينا ويعيدنا إلى جادة الحق؟ أين الناصح المحب الذي يهمس في آذاننا ولا يستخدم ذلك البوق الذي يسمع الناس جميعاً؟ أين تلك الأيدي التي تضغط على أيدينا وبرفق فتنقل الإحساس الصادق وتنقل كل عبارات النصيحة ومفرداتها ونعيد تلويون علاقاتها بلون زاهٍ جميل؟.
بحق النصيحة فن لا يجيده الكثيرون، وهي تحتاج إلى المزيد من إماطة اللثام عن مفهومها حتى تصبح واقعاً بين المسلمين، لأن عدم قبولها يقود إلى تغييبها، وغيابها يصيب الحياة بكارثة اجتماعية، باعتبارها نوعاً من التقويم.
الأسلوب اللائق
أمل الدويح: النصيحة فن من حيث إنها تُعطى في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب، وهي لا تأتي إلا من أخ أو صديق يهمه أمرك ويخشى عليك الهلاك، أما من يصرخون في وجوهنا مبرزين أخطاءنا وشامتين في حالنا مدعين أنهم نصحونا ولم نسمع، فهؤلاء لا يمكن أن نسميهم ناصحين أبداً، فالنصيحة هي الحكمة وهي ضالة المسلم، ومن ينصح بالحق وللحق فهو صادق ومحب، ومن ينصح فقط بما يحب ويرى فليس ناصحاً، ومن ينصح ويعمل بالنصح فهذا يؤكد صدق نواياه، فمتى نجيد فن النصح ومتى نقبله، وكيف نجد الأسلوب اللائق والوقت المناسب للنصح؟.
هذه مشكلة الكثيرين فإن بعضهم يود أن ينصح ولا يدري كيف يقوم بهذا الواجب.
شهب الودعاني: النصيحة فن من فنون الحياة قلما من يجيده وقد حث الإسلام عليه في قوله صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) وللأسف ابتعد كثير من الناس عنها وهذا ما ساعد على انتشار الفساد في بلاد المسلمين لذلك يجب على كل مسلم مراجعة نفسه في هذه القضية وللنصيحة شروط لا يتسع المجال لذكرها ولكن يمكننا ذكر البعض منها: أولاً: اللين لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران
ثانياً: الصبر، أن يصبر الإنسان على ردود الفعل حول النصيحة لأنها في بعض الأحيان تجلب للناصح نوعاً من الأذى
ثالثاً: تقديمها لوجه الله.
بحيث لا يقصد من ورائها مناً
رابعاً: عدم التشهير بصاحبها.
أي تكون بينه وبين الناصح دون أن يشعر الآخرون بذلك فتسبب له إحراجاً وتشهيراً.
الدين النصيحة
نادر الرشيد:إن النصح هو من أساسيات ديننا الحنيف الذي قد قام على أسس متينة وقواعد سليمة وقد شدد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وإن الدين النصيحة فأنا مثلاً كنت في أدائي صلاتي وإذا برجل يقول الله يهديك بالعامية فإذا الذي بجانبه يرد ويقول الله يهديك أنت. فالنصيحة لها فن لإيصالها لمن تنصحه فإن النصيحة إذا أتتك على رؤوس الأشهاد فهي شتيمة.
إن النصيحة من الأمور التي عمت المجتمع بأشياء أتت دخيلة علينا فلو يعلم من يتذمر من النصيحة أنه يرفض شيئاً هو أشد حاجة له لغير من طريقته ولأحب من ينصحه وعرف قيمته وحقيقة حرصه عليه.
هشام ناصر الحربي: روى أبو بكر عن دريد عن زياد أنه قال إني رأيت من خلالها ثلاثة نبذت إليكم فيهن النصيحة إعظام ذوي الشرف وإجلال ذوي العلم وتوقير ذوي الإسلام والله لا أوتي بوضيع لم يعرف لشريف شرفه إلا عقلته له.
تهدى الأمور لأهل الرأي ما
صلحت فإن تولت بالإسلام تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة لجهالهم سادوا
النصيحة فن يجيده الكثيرون ولا يجيده القليلون.
التفهم والقبول
سلطان سليم الظلام:يجب أن نقدم النصيحة للكل وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) ومن الواجب في النصيحة أن تقدم بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عن أسلوب الإرغام والاستفزاز والنصيحة تقدم بأسلوب نظيف مع مراعاة حالة المقدم له النصيحة يجب أن يكون في وضع معين ووقت معين ولكن هناك من ينصح في غير موضعها وغير وقتها المناسب فلا يجد من يصغي له.
النصيحة يجب أن تقدم في ظروف معينة وأن يكون الشخص الناصح في مستوى من العلم والثقة في النفس.
كذلك يكون من يقدم له النصح قابلاً لذلك ولديه الاستعداد النفسي للقبول والتفهم.
فؤاد عوض الحربي: أولاً أود أن أشكر مجلة الجزيرة على مواضيعها الرائعة.
والمواكبة دائماً التي تتناول في معظمها مواضيع تهم الكثير من القراء، أما عن موضوع النصيحة فالإنسان لا ينصح إلا لوجه الله، وحقاً هي فن لكن يجيده الكثيرون نظراً للمحبة التي توجد بين الناس والمصلحة التي تربط بين الكثيرين، لكن ثقافة النصح تحتاج إلى ترسيخ وتكريس في أوساط المجتمعات المسلة والعربية على وجه الخصوص، حتى لا ينظر البعض للنصح على أنه توبيخ أو عتاب أو مسألة شخصية، بل يجب النظر إليه باعتباره واجباً على كل مسلم تجاه أخيه المسلم، فالمرء مرآة أخيه، والدين النصيحة.
ناصح مميز
عاصم اليحيى: صحيح أغلى شيء في الوجود النصيحة، ولكن للأسف نجد الكثيرين يتذمرون من هذا الشيء الغالي، ويردون على هذه الهدية أحياناً بالإساءة وأحياناً بالامتعاض والرفض، فأنا على قناعة بأهمية النصيحة ولكن : كيف أكون ناصحاً متميزاً ويتقبل الشخص مني هذه النصيحة.. ماهو الأسلوب الأمثل للنصح حتى يصبح مثل الشيء الجميل الذي يتقبله الناس بروح رياضية؟ وكيف نخرج النصيحة من إطارها الحالي، الذي تبدو فيه وكأنها جرعة دواء شديد المرارة كل من يحتاج إليه ليست لديه القابلية لتناوله؟ هذا هو الأهم، وهنا مربط الفرس.
منذر بن محمد الحميدان: النصيحة موضوع مهم جداً ونحن في أمس الحاجة إليها في عصرنا هذا والموضوع كثر الحديث عنه فلا شك أن النصيحة تدخل ضمن دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي أبواب كثيرة فالأب ينصح ابنه والأم تنصح ابنتها والأخ ينصح أخاه أو أخته أو الصديق ينصح صديقه والعكس فلذلك النصيحة مهمة جداً في حياتنا لكن يبقى الأسلوب مهماً جداً في طرح النصيحة فعندما يأتي إليَّ شخص متجهم الوجه وأسلوبه يتسم بالغضب والعنجهية فلن أقبل منه هذا الأسلوب لكن عندما يأتيني بوجه بشوش مبتسم أسلوبه رائع في طرحه ويتسم بالمرح والعفوية فسأقبل منه النصيحة ولو أن في رأيي الشخصي في موضوع النصيحة أقدم النصيحة فإنني أرسل رسالة مباشرة للطرف الآخر أنك مخطئ وهذا خطأ فادح فلا أقول سأنصح لكن أقول لديَّ رأي فالطرح الآخر يعتبر ذلك أنه مخطئ وأنني أصلح خطأه لو قيلت بشكل آخر أعتقد أن هذا الذي يجب أن يكون في الطرح كما تعرفون أن الناس غالبيتهم لديهم حساسية خاصة في مثل هذه الأمور فرأيي أنا أشدد على هذا الرأي والطرح أن يطرح النصح بشكل يقال معه : لديَّ رأي وليس يطرح بشكل لديَّ نصيحة لك وهذا ما أحببت أن أدلو به في هذا النقاش وحقيقة هذا الموضوع رائع وأشكر الصحيفة على طرح مثل هذه المواضيع المهمة جداً التي تمس مجتمعنا السعودي وأشكرهم لإتاحة الفرصة لي وهذا ما تعودنا عليه في وطننا الحبيب وطن الحرية والمساواة.
انهيار جسور الثقة
خالد الغامدي: النصح شيء عظيم وقيمة عالية، ورسالة سامية يوجهها أحد الأطراف إلى طرف آخر أو إلى عدة أطراف، ونلاحظ أن أغلب جدال الأمم الغابرة مسألة عدم تقبلهم للنصح، حيث أمضى الأنبياء والرسل السنوات العديدة في نصح أممهم، وفي عصرنا هذا ما زالت الأمم والشعوب بحاجة إلى المزيد من النصائح ولكن بقوالب تناسب لغة العصر، وبأسلوب يعكس مدى حرص الناصح على من تقدم له النصيحة في طبق من ذهب، ويؤسفنا أن نرى اليوم من يرد على النصح بقوله (انصح نفسك، نحن لسنا بحاجة إلى نصائحك) أو غير ذلك من العبارات التي تبرز غياب المفهوم الواقعي للنصيحة، يحدث هذا في زمن صرنا معه أكثر حاجة للنصائح، ولكن أقل تقبلاً لها، فكيف نتجاوز هذه المعضلة؟ وكيف نردم الهوة بين الناصح والمنصوح؟ إنها معادلة صعبة في انهيار جسور الثقة بين الناس، وغياب صدق النوايا، وتوترات بيئة العمل أو بيئة السكن حتى، وافتقارنا إلى المحاضن الحقيقية لتبادل النصائح رغبةً في التقرب إلى الله، وإصلاح عيوب وتقصير الآخرين.