بما أن الفتاة المراهقة تمر بمرحلة تكوين الشخصية في هذه الفترة فنجدها بالتدريج تستقل شيئاً فشيئاً عن والدتها.. وبالطبع هذا يزعج الأم دائماً ويخيفها.. وعلى ذلك نجد أنه لا بد من وجود بعض التسويات والتنازلات في تلك العلاقة.
بالطبع الفتاة المراهقة تظل دائماً في احتياج إلى توجيه والدتها.. ولكن أحياناً تجد الفتاة المراهقة أن والدتها لم تعد تفهمها.. ومع ذلك فالرابطة القوية ما زالت موجودة بينهما. إذن.. نود أن نسأل الفتاة: كيف تتصرفين إزاء نموك.. وتطورك.. وإزاء علاقتك بوالدتك التي تخضع باستمرار إلى نوع من التغييرات نتيجة لمراحل النمو التي تمرين بها..
أحياناً لا تبدو والدتك مثل مخبر البوليس تريد أن تعرف كل شيء مهما كان صغيراً وتافهاً.. إنها تسألك عندما تعودين من عند صديقتك.. ماذا فعلتما؟ من كان هناك بمنزل صديقتك؟ هل استمتعت بذهابك إلى هناك؟ عماذا كنتما تتحدثان؟..
وتسألين نفسك: لماذا تريد والدتي أن تعرف كل شيء؟ إنها حياتي فلماذا تهتم بمعرفة كل صغيرة وكبيرة؟..
صحيح.. إنها حياتك.. أنت شخصية لها حقوقها.. وأيضاً لها خصوصياتها التي يجب أن تحترم.. ولكن إلى أن تصبحي كبيرة ناضجة فإن مسؤولية والدتك أن تحميك وترعاك وتحفظك.. ولكي تفعل ذلك يجب أن تكون منغمسة في كل ما يدور في حياتك.. سواء أحببت ذلك أم لا.. بالنسبة إليك تبدو أسئلتها تدخلاً في شؤونك.. أما بالنسبة إليها فهي تعلم تماماً أن أسئلتها لا تضايقك.. ولكنها تريد أن تعرف حياتك فهي تدرك أن هناك أشياء تخفينها عنها.. وتذكري أنها حتى الآن تقوم بأكبر دور بناء في حياتك كلها.. ولمعالجة هذا النوع من التصرف الذي تعتقدين أنه تدخل في شؤونك عليك أن تجلسي مع والدتك من آن لآخر وتتكلمي معها بصراحة في كل ما يدور في حياتك.. صارحيها بأنه من المهم أن تثق بك ومن المهم أيضاً أن تثقي بها.. ومن هنا تستطيعان أن تقيما أسساً واقعية قوية لعلاقتكما معاً، فهي قد تسألك عدداً من الأسئلة عن صديقاتك.. وهي بذلك تريد أن تتعرف على أفكارك الداخلية وعلى ردود أفعالك..
النقد والخصوصية
والدتك كانت معتادة على أن تفعل لك كل شيء: تطعمك.. تغير ملابسك.. بل حتى صديقاتك.. ولا شيء تفعلينه يمر دون النقد.. ولكنك تريدين أن يكون لك بعض الخصوصية.. لذلك تجدين نفسك في معركة مع والدتك.. ولكن هذا بالطبع يحتاج إلى أن تتحكمي في أعصابك.. فوالدتك تعتقد أنها تقدم لك الاقتراحات والنصائح المفيدة والقيمة.. ولكنك تعتبرين ذلك تدخلا في شؤونك.. فماذا تفعلين؟..
تقول طبيبة علم النفس الأمريكية البروفيسورة ليبي كول المشهورة في كتابها عن العلاقات العائلية: للوصول إلى تفاهم سريع بينك وبين والدتك عليكما أن تتبادلا الأماكن.. أي أن تضعي نفسك في مكان والدتك.. طبعاً من الصعب عليك أن تفعلي ذلك.. ولكن تذكري أننا نود أن نصل إلى سلام دائم يتوج هذه العلاقة المقدسة ما بين الأم وابنتها.. فوالدتك عاشت في زمن يختلف عن عصرك.. ولقد تغيرت الأجيال وتعاقبت، ومن الممكن أن يكون بينكما ما يسمى ب(ثغرة الأجيال).
الأمهات العاملات
بالطبع نحن نجد أمهات مشغولات دائماً بحياة بناتهن.. ولكن هناك بعض الأمهات يبدو أنهن لا يلاحظن بل لا يتابعن باهتمام ما يحدث لبناتهن.. فهؤلاء الأمهات مشغولات دائماً بحياتهن.. فقد يكون السبب أن للأم عملاً مهماً.. أو أنها تكون متزوجة برجل غير والد أطفالها.. وهي الآن تكرس وقتا طويلاً لزوجها الجديد.. ومهما كانت الأسباب فإن عدد الأمهات العاملات في التسعينات يفوق كثيراً عددهن في الثمانينات.. بل تشير الإحصاءات في الولايات المتحدة - على سبيل المثال - إلى أن الأمهات يقضين أقل من 15 دقيقة في اليوم يتحدثن فيها مع أولادهن وبناتهن المراهقات.. وأن 12 دقيقة منها تكون بهدف معرفة الواجبات المدرسية.. لذلك لا توجد إلا ثلاث دقائق فقط للحديث في الأمور الشخصية.
فهل هذا يعني أن الأم المشغولة لا تعبأ بأولادها؟ كلا على الإطلاق.. إن والدتك تحبك كثيراً ولا تشعر بوحدتك.. إنها تعتقد أنها تترك لك الحرية.. وتحترم خصوصياتك.. بل إنها تعتقد أيضاً أنها تعد نموذجاً لك وعليك أن تحاولي محاكاتها في اهتماماتها.. وفي محاولة لكي تتعودي على المسؤولية مثلها.. لكنك لا تريدين ذلك.. تريدين أن تكون والدتك إلى جوارك.. فماذا تفعلين؟ حاولي أولاً أن تفكري في كل الأشياء التي تفعلها والدتك من أجلك.. فإذا كانت مشغولة بعملها.. أليس ذلك لأنها تريد أن توفر لك حياة مرفهة؟ إنها تضحي بالوقت الذي تقضيه معك حالياً كي تحصل لك في المستقبل على فرصة أكبر في دخولك الكلية أو الجامعة التي تريدينها..
ثانياً: عليك أن تتذكري أن والدتك امرأة أيضاً.. وأنها في حاجة إلى صديقات.. واهتمامات أخرى خارج نطاق أسرتها.. حتى تكون سعيدة.. مثلك تماماً..
وأخيراً لا بد أن تشرحي مشاعرك لوالدتك.. ولا تحاولي أن تجعليها تشعر بالذنب كأن تقولي لها على سبيل المثال: أنت تهتمين بعملك أكثر من اهتمامك بي.. وذلك لأن والدتك سوف تشعر في هذه الحالة بالتمزق.. اجعليها تشعر بأنك تهتمين بها فقط.. وأنك تريدين منها بعض الاهتمام.. لهذا حاولي أن يكون هناك وقت قليل يومياً.. أو مرات عدة في الأسبوع تستطيعين فيه الحديث إلى والدتك.. وحاولي أن تعبري أثناء ذلك عن اهتمامك بحياتها بالطريقة التي تريدين منها أن تهتم بحياتك.. وأن تجددي معها موعداً من وقت لآخر تخرجان فيه سوياً.. لرؤية فيلم.. أو مجرد قضاء وقت فراغ. هناك أشياء كثيرة.. غير مسموح لك أن تفعليها لذلك تشعرين بالقهر والغضب، فأنت تجدين أن هناك بعض الفتيات لديهن الحرية لفعل كل ما أنت محرومة منه.. فلماذا تكون والدتك متزمتة إلى هذه الدرجة؟
عليك في هذه الحالة أن تسألي نفسك.. هل والدتك بأوامرها المتزمتة تلك تريد أن تسيطر على حياتك؟ أو أنها تحاول أن ترسم حدوداً ما بين الخطأ والصواب حتى تسيري في الاتجاه الصحيح.
إن والدتك ترى أنها مرشدة لك إلى الطريق السليم والآمن.. وهي تدرك جيداً أن هناك فتيات منحرفات يردن أن يغررن بالأخريات وجرهن معهن في التيار الخاطئ.. إنها تريد أن تبعدك عن التدخين.. والخمور.. والمخدرات.. تريد أن تبعدك عن تلك المآسي.. وبالطبع الأم لديها مسؤوليات ضخمة وجسيمة.. لم تواجهها والدتها من قبل.. وعلى والدتك الآن أن تعالج مواقف صعبة تمر بها المجتمعات الحالية.. فهناك المخدرات على نطاق واسع.. الانحراف الأخلاقي المرتبط بأمراض العصر مثل الإيدز.. لذلك فهي ترى أن أمامك عالماً غامضاً.. تريد أن تجنبك كل ما فيه من حيرة وغموض.
على أن هناك بعض الأمهات اللاتي يبالغن في حرصهن.. بطريقة تثير الأعصاب.. وعلى هؤلاء أن يدركن أن ابنتهن المراهقة لا تريد في واقع الأمر أن تفقد حب والدتها لها.. لذلك علينا ألا نفقد صلة التواصل بين الأم وابنتها.. وإنما يجب أن يكون هناك حوار وصراحة وبعض الأوامر التي من الممكن أن يتم التباحث بشأنها، للتوصل إلى حلول مرنة ومقبولة من الجميع.
الصمت في المكان
إذا لجأت إحداكما إلى هذا الحل.. تكون أخطأت الطريق فعلاً.. ولعلاج ذلك بإمكاننا أن نلجأ إلى التالي:
* الاجتماعات العائلية:
حددي يوماً في الأسبوع للحديث عن أفكار كل فرد من أفراد العائلة.. وفي هذا الاجتماع يعامل الجميع بطريقة متساوية.
* كتابة المذكرات والملاحظات:
إذا كان من الصعب عليكما الحديث فمن الممكن أن تدونا أفكاركما في خطابات متبادلة.
* اكتبي مذكراتك أمام والدتك:
اجعليها تقرؤها بحرية.. فهي أقدر من الجميع على حل كل مشاكلك.
* وأخيرا: مهما حدث من تدخل والدتك في شؤونك.. وأوامر.. وصياح لتنفيذ تلك الأوامر.. فسوف تظل دائماً والدتك.. فهي تحبك بطريقة لن يحبك بها أحد في هذا العالم كله.