فجأة وجدت وسائل الإعلام الأمريكية نفسها مضطرة للاهتمام مجدداً بباكستان وما يجري فيها، حيث تزامن وصول رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى باكستان مع وقوع هجومين داميين في أحد أهم أحياء العاصمة الباكستانية إسلام أباد خلال الأيام الماضية. وتقول صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية في تقرير لها عن قضية العلاقات الأمريكية الباكستانية إن أكثر ما يضفي على الحدثين أهمية بالنسبة للأمريكيين هو أنهما يرتبطان بصورة أو بأخرى بالحرب التي تقودها واشنطن ضد ما يسمى بالإرهاب. فباكستان تشكل في نظر واشنطن مأوى للعديد من الإسلاميين المتطرفين، كما يمثل الملف الباكستاني إحدى نقاط الخلاف بين الكونجرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون والإدارة الأمريكية الجمهورية برئاسة جورج بوش بسبب اعتماد الرئيس بوش على الحكومة الباكستانية باعتبارها حليفاً رئيسياً في الحرب ضد الإرهاب منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
فقد شهدت العاصمة الباكستانية إسلام أباد في الشهر الماضي تفجيراً انتحارياً غير معتاد أسفر عن مقتل 13 شخصاً وإصابة نحو ستين آخرين، بينما استهدف انفجار آخر مسجداً للشيعة في مدينة بيشاور.
وبسبب تزايد الاضطرابات في باكستان، وهي في نظر الإدارة الأمريكية الفناء الخلفي لحركة طالبان الأفغانية المناوئة للقوات الأمريكية في أفغانستان، أعلن البيت الأبيض اعتزامه مطالبة الكونجرس بتخصيص أموال إضافية لأفغانستان بقيمة 10.6 مليار دولار خلال العامين المقبلين، وهي زيادة كبيرة إذا ما قورنت بإجمالي المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لأفغانستان نفسها منذ عام 2001م، التي لم تتجاوز 14.2 مليار دولار.
وفي إطار الاهتمام الأمريكي بباكستان زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إسلام آباد قبل أيام، حيث كشفت اجتماعاتها بالمسئولين الباكستانيين، عن تغيير نبرة الحديث الأمريكي بشأن باكستان من الاختلاف الهادئ إلى الاتهام الواضح لسياسات الرئيس الباكستاني برويز مشرف، وهو الموقف الذي سيتبناه الكونجرس الخاضع لسيطرة الديمقراطيين تجاه باكستان في المستقبل حسب قول المحللين. ويعني هذا تزايد الفجوة بين الكونجرس الديمقراطي والبيت الأبيض بشأن كيفية التعامل مع أحد أقوى حلفاء أمريكا في الحرب ضد الإرهاب.
وتقول الصحيفة إن السياسة الأمريكية تجاه باكستان أصبحت أشد غموضاً رغم أن أعمال العنف وصلت إلى معدلات غير مسبوقة في أفغانستان نفسها، التي يعدها الأمريكيون الفناء الخلفي لإسلام أباد، حيث يقول المسئولون الأمريكيون إن حوالي 140 هجوماً انتحارياً وقع في أفغانستان عام 2006م، مقابل 27 هجوماً انتحارياً فقط عام 2005م. وتتهم الإدارة الأمريكية مسئولين باكستانيين بتقديم المساعدة والدعم لمقاتلي حركة طالبان وتوفير المأوى لمقاتلي الحركة داخل باكستان لتنفيذ هذه الهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية والقوات الغربية الحليفة معها والحكومة الأفغانية الموالية.
ومما يكشف عن أهمية باكستان في أنظار صانعي السياسة الخارجية الأمريكية اختيار بيلوسي لها لتكون محطتها الأولى في أولى رحلاتها الرسمية خارج الولايات المتحدة منذ توليها رئاسة مجلس النواب، وهي الرحلة التي شملت أيضاً العراق وأفغانستان.
وتجيء هذه الجولة قبل أيام قليلة من إصدار الكونجرس أحد أكثر القوانين إثارة للجدل في الفترة الأخيرة، وهو القانون الذي يهدد بفرض عقوبات عسكرية على باكستان إذا لم تتمكن إسلام أباد من فرض سيطرتها على حركة المسلحين على حدودها مع أفغانستان.
وجاءت التفجيرات الأخيرة التي وقعت في إسلام أباد وبيشاور لتعزيز المخاوف التي عبر عنها مشروع القانون الأمريكي الجديد.
ويقول التقرير إن اللغة التي استخدمها الديمقراطيون في مشروع القانون جاءت، على غير ما هو معتاد في العلاقات الدولية، متعالية ومحددة وشبيهة بلغة القرارات الدولية التي تصدر عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث طلب المشروع من الرئيس الأمريكي جورج بوش حث الحكومة الباكستانية ببذل كل الجهود الممكنة من أجل منع مقاتلي حركة طالبان من العمل في المناطق الحدودية الخاضعة للسيادة الباكستانية، بما في ذلك مدينتا كويتا وتشامان في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي ومناطق القبائل الخاضعة لنفوذ الحكومة الباكستانية.
وأوضحت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس للصحفيين أن التحديات التي ظهرت خلال الشهور القليلة الماضية أظهرت ضرورة مضاعفة الجهد.
ويتطلب مشروع القانون الجديد موافقة مجلس الشيوخ قبل رفعه إلى الرئيس بوش للتصديق عليه حتى يصبح ساري المفعول، وفي الوقت نفسه يملك الرئيس بوش سلطة تجاهل البنود الخاصة بالعقوبات في القانون، ورغم ذلك فإن مشروع القانون يمثل حالة الانفصام المتنامية في واشنطن تجاه باكستان.
وتقول سمينة أحمد، مدير مشروع جنوب شرق آسيا التابعة لمجموعة الأزمات الدولية، ومقرها بروكسل، إن الإشارة المرسلة إلى الإدارة الأمريكية قوية جدا كونها صادرة من الكونجرس وعلى الرئيس بوش أن يتحرك في ضوء هذه الإشارة.
أما إذا لم يتحرك الرئيس بوش فإن القانون يهدد بتحويل علاقة الصداقة والتحالف التي تربط باكستان بالولايات المتحدة حاليا إلى علاقة تنافر وخصام. وتتجلى هذه العلاقة في حجم المساعدات الاقتصادية الكبيرة التي حصلت عليها إسلام أباد منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، منها حوالي 1.5 مليار دولار في شكل مساعدات أمنية.
وحصلت باكستان أيضا خلال السنوات القليلة الماضية على مليارات الدولارات لتمويل جهود مكافحة الإرهاب، بمعدل حوالي 66 مليون دولار شهريا، حيث يقول مسئولون أمريكيون إن باكستان حصلت على نصيب الأسد من برنامج الإقراض الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية لحلفاء واشنطن في الحرب ضد الإرهاب، مثل باكستان والأردن، خلال الفترة من 2002م إلى 2007م.
ويتفق المراقبون على أن تحركات الكونجرس لن تؤدي إلى توقف المساعدات الأمريكية إلى باكستان لأن هذه الخطوة تنطوي على مخاطرة كبيرة، ذلك لأن الإدارة الأمريكية لا يمكنها أن تضحي بنظام الرئيس الباكستاني برويز مشرف في هذا الوقت. وعن ذلك تقول عائشة صديقة خبيرة الشئون العسكرية في إسلام آباد إن الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر في حالة وقف الدعم عن باكستان.