* إعداد - عايدة السنوسي
منذ ظهور الإذاعة بدايات القرن العشرين أصبحت قضية مستقبل الصحافة المطبوعة مثار نقاش وجدل. ومع ظهور كل وسيلة إعلامية جديدة يتجدد الحديث عن قدرة الصحافة المطبوعة على الصمود والبقاء.
حدث هذا عندما بدأت نشرات الأخبار في الإذاعة وتجدد مع ظهور التلفزيون والآن أصبح الحديث في هذا الشأن أكثر قوة وتشاؤما في الوقت نفسه مع ظهور الإنترنت.
وقد نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية تقريراً عن هذه القضية من خلال معالجة حالة صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
تقول الصحيفة: إن الحادث الأول جاء عندما طالب رؤساء المؤسسة التي تمتلك صحيفة لوس أنجلوس تايمز رابع أكبر صحف الولايات المتحدة بخفض أعداد العاملين فيها بنسبة كبيرة.
الخطوة الثانية جاءت في سبتمبر الماضي عندما أعلن ناشر الصحيفة رفضه خطط خفض العمالة علنا، واستمر الموقف معلقا لمدة ثلاثة أسابيع لكنه اكتشف أن التحدي خطير وصعب بالفعل.
والآن وقبل أن يتجدد الحديث مرة أخرى عن خفض التكاليف في الصحيفة العريقة في ديسمبر المقبل أطلقت الصحيفة ما سمته (مشروع مانهاتن) نسبة إلى مشروع مانهاتن الذي طور أول قنبلة نووية في العالم.
ولكن المشروع الجديد يهدف إلى إشراك كل العاملين في لوس أنجلوس تايمز في إعادة ابتكار الصحيفة لتكون قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
والحقيقة أن المشروع الذي أطلقته لوس أنجلوس تايمز يقدم نافذة نرى من خلالها الجهود الهائلة التي تبذلها الصحافة المطبوعة حتى تتمكن من البقاء ووقف نزيف الخسائر في القراء والإعلانات والإيرادات لصالح وسائل إعلامية أخرى وفي مقدمتها الإنترنت.
يقول توم بيتنر أستاذ الصحافة في جامعة تيمبلي بولاية فيلادلفيا الأمريكية:
ما يحدث مع لوس أنجلوس تايمز سيتكرر في باقي الصحف في مناطق أخرى.
ويستند بيتنر وغيره من المحللين إلى الأنباء المطردة عن تسريح العاملين في الصحف الأمريكية وآخرها نبأ الاستغناء عن 101صحفي من صحيفة سان خوسيه ميركوري بحلول ديسمبر المقبل والإعلان عن اعتزام صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر تسريح مجموعة من العاملين فيها لخفض النفقات.
ويقول بيتنر: إن اختيار اسم مشروع مانهاتن لخطة إصلاح لوس أنجلوس تايمز اختيار موقف لأنه يشير إلى (حتمية وجدية) الخطة.
ولعل التحدي الأكبر الذي تواجهه الصحافة الأمريكية حالياً هو الإجابة عن مجموعة من الأسئلة منها: أين ذهب القراء؟ وماذا يقرأون حالياً؟ وكيف يمكن الوصول إليهم؟
والمعروف أن الصحف الأمريكية تواجه حالياً تراجعاً مطرداً في أعداد المشتركين حيث انصرف الناس وخاصة الأجيال الشابة إلى مصادر جديدة مثل التلفزيون والإنترنت، وقد تراجعت أيضاً إيرادات أغلب الصحف نتيجة تراجع أعداد الإعلانات المبوبة التي اتخذت طريقها إلى مواقع الإنترنت بدلا من الصحف، كما قلصت المتاجر الكبيرة إعلاناتها وخاصة في الصحف. وقد تراجعت إيرادات لوس أنجلوس تايمز بشدة نتيجة الانخفاض الحاد في مساحة إعلانات الأفلام السنيمائية الجديدة على صفحاتها.
في الوقت نفسه فإن لوس أنجلوس تايمز مطالبة بزيادة أرباحها حتى تدعم سعر سهم شركة تربيون وهي الشركة الأم التي تمتلك لوس أنجلوس تايمز إلى جانب العديد من الصحف الأخرى. وقد فقد سهم هذه الشركة أكثر من نصف قيمته منذ اشترت صحيفة لوس أنجلوس تايمز عام 2000.
وفي أغسطس الماضي وعندما أعلنت لوس أنجلوس تايمز تحقيق أرباح بنسبة 20 في المئة طالبت الإدارة بخفض عدد الصحفيين من أجل الوصول بهامش الربح إلى30 في المئة.
ولكن ناشر الصحيفة جيفري جونسون رفض الطلب وقال: إنه تم خفض أعداد العاملين في الصحيفة بالفعل من1200 شخص إلى 940 شخص خلال السنوات القليلة الماضية وأن أي تخفيض جديد في العمالة سوف يؤدي إلى فقدان الصحيفة مكانتها بين كبريات الصحف الأمريكية.
الأمر نفسه ينطبق على صحيفة بوسطن جالوب التي تدور حالياً تقارير صحفية عن رغبة الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك الأمريكية جاك ويلش شرائها من مجموعة نيويورك تايمز التي تمتلكها. وقد بدأ بالفعل العاملون في لوس أنجلوس تايمز التفكير في المستقبل الذي أصبح يحيط به الكثير من الغموض.
يقول فيرنون لويب صحفي التحقيقات في الصحفية وأحد المشاركين في مشروع مانهاتن: إن التفكير في المستقبل أصبح أمرا ضرورياً سواء احتفظت بنا شركة تربيون أم لا.
وقد أصبح المستشارون والمعلنون والقراء اللاعبون الأساسيون في تحركات الصحف الحالية لمواجهة الأزمة سواء من خلال إطلاق مواقع خاصة بها على الإنترنت أو إعادة تقديم المحتوى المطبوع في قوالب الكترونية جديدة.
ولكن الجديد في (مشروع مانهاتن) الذي أطلقته لوس أنجلوس تايمز يبقى متميزاً لأن الصحفيين هم الذين يتولونه بأنفسهم.
ويشارك في المشروع ثلاثة صحفيين متخصصين في التحقيقات ومتفرغين بالإضافة إلى ستة محررين حيث يعقدون جلسات نقاش ويحللون آراء العاملين في الصحيفة ويجوبون العالم بحثاً عن تجارب مفيدة. كما يبحث هؤلاء عن الطريقة التي يزور بها القراء الجدد موقع الصحيفة وعما يغريهم باستمرار قراءة الصحيفة عبر الإنترنت.
يقول فيرنون لويب: لقد اكتشفنا أن نجاحنا في المستقبل يتوقف على ما نقوم به في غرفة الأخبار وليس في مقر الإدارة بشيكاغو ولا في أي مكان آخر.
ومن بين الحلول التي توصل إليها فريق البحث الصحفي إصدار طبعات إقليمية جديدة وإضافة رؤى جديدة من جانب كتاب الأعمدة والمواطنين العاديين الذين يمكنهم التعبير بصورة أفضل عن القضايا المحلية.
كما يجب أن تتضمن التحقيقات الصحفية الجديدة ملفات فيديو ومواد تفاعلية مع القراء الذين يزورون موقع الصحيفة على الإنترنت.
وقال لويب: نريد أن نتمكن من القول إن هذه خطة جديدة لزيادة إيرادات الصحفية من خلال أفضل الأفكار في عالم الصحافة والإنترنت من كل أنحاء العالم.
ويقول توم روزينتال مدير مشروع التفوق الصحفي وهو مركز أبحاث معني بقضايا الصحافة في الولايات المتحدة: إن لوس أنجلوس تايمز مطالبة بتطوير نموذج اقتصادي جديد يمكنها من الاحتفاظ بالنسخة المطبوعة من الصحيفة وفي الوقت نفسه تقديم محتوى الصحيفة على الإنترنت بما يجذب شريحة مختلفة من القراء.
ويضيف: إن السؤال الذي يفرض نفسه على الجميع في صحيفة لوس أنجلوس تايمز هو: هل الصحف صناعة تحتضر كمطبوعات أم صناعة ناشئة على الإنترنت؟
فإذا كانت تحتضر فإن خفض العمالة يصبح أمراً مقبولاً. ولكن إذا كانت صناعة ناشئة وتحمل مقومات النمو عبر صياغة جديدة فإن خفض العمالة في هذه الحالة لا يصبح مبرراً.
ويحذر العديد من الخبراء من أن أي خفض في أعداد العاملين في الصحف الأمريكية الكبرى التي توزع على مستوى الولايات المتحدة سيؤدي إلى تقليص مساحة التغطيات المحلية.
يقول جيري دونكلي أستاذ الصحافة في جامعة جنوب كونكتيكت الأمريكية:
إذا تجاهلت الصحف أسواقها الرئيسة من خلال رفض تغطية الموضوعات المهمة في مناطق وجودها المحلية فإنها ستفقد مكانتها كسلطة رابعة.
وأشار إلى أن أنباء مجلس نواب ولاية كونكتيكت يغطيها حالياً ثمانية محررين صحفيين فقط مقابل أكثر من 25 صحفياً منذ عقدين من الزمان. ولكن بعض المحللين يقولون: إن هناك مبالغة في الحديث عن تراجع اهتمام الصحف الأمريكية بالقضايا المحلية.
ويقول روزينتال: إن هناك العديد من الصحف التي تصدر وتوزع على مستوى المدن في الولايات المتحدة أصبحت مغرقة في المحلية بصورة أثارت قلق المؤسسات الكبرى التي تمتلكها ودفعتها على تحديد مستوى أدنى من الجودة الصحفية فيما تنشره تلك الصحف.