لا أدري لو أن الشاعر المهجري الكبير (إيليا أبو ماضي) كان حياً بيننا وعانى وشاهد ما نمر به من آلام وتمزق وضياع، هل سيكون تشخيصه لهذه الحالة المريرة بمثل ما كان يعتقده حين دعا الناس - آنذاك - لحل إشكالاتهم ومشكلاتهم مختصراً إياها بقوله: كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.
أم أن الصورة ستكون أمامه مختلفة ومشوشة ومتداخلة مع غيرها، وبالتالي فلن تكون تقديراته وتعامله معها بحسب الزمان والمكان والمتغيرات بمثل هذا التبسيط في التوصيف ومن ثم في العلاج.
***
حسناً، سنضع في أعيننا عدسات جديدة ومميزة، تقربنا من المسافات الأبعد والأصعب لرؤية ما كان يستحيل أن نصل إليه بالعين المجردة لولا المساندة والدعم اللذين امتلكناهما بأكثر مما كانا متاحين حينذاك، ولكن حتى ونحن نعيش كل هذا التقدم في التقنية والصناعة والابتكار، فلا يمكن أن ندعي بأننا لسنا سجناء هذا العجز في تفسير حالتنا المشوبة بالخوف والرعب والاستسلام.
***
سأبتعد عن هذه الصورة إلى حين، فالأحزان لا تقتصر على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، واعتداء الدولة الأقوى على الدولة الأضعف، في تصرف أحمق وظالم يكرس لظاهرة عدم الاستقرار، في العالم، وإشاعة القهر والقتل والدمار بين الناس، لأتناول ما يمر به الإنسان من حالة حزن خاصة به، يكتوي بآثارها ويتألم من تبعاتها، ويقف أمامها عاجزاً مستسلماً، وطبعاً بانتظار توفيق الله وعونه.
***
فقد تفقد إنساناً عزيزاً عليك في حالة وفاة، بينما كان قبل وفاته أُنْسَكَ وحُبَّكَ وخِلَّكَ الذي ترى نفسك فيه، وسعادتك بتكرار لقاءاتك به وتواصلك معه، فتحزن لهذا الموقف، وتبكي لتلك الحالة، وتصاب لبعض الوقت بما يثير في نفسك الهموم وشتى صور المآسي وأنماطاً من مظاهر الحزن المتواصل، ومثله حين يبلغك خبر عن عزيز عليك أو قريب منك من أنه يمر بحالة مرضية معينة بشكل مفاجئ له ولك، فتبدأ الوساوس والتفكير والتخوف تلاحقك في الليل والنهار، في صحوك وأثناء نومك، في عملك ووقت راحتك، بينما لا تملك أمام هذه الصورة المبكية في حياتك غير الدعاء له بأن يشفيه ويعيد إليه عافيته وصحته، وما ذلك على الله ببعيد.
***
الحياة جميلة ورائعة - نعم !! - ومن المهم أن نستمتع بها، وأن نمنحها ونأخذ منها كل ما فيها من جمال، وأن نتجاوب مع دعوة شاعرنا، وأن نضيف إلى (روشتته) أكثر من وصفة، فنتعمق في ملكوت الله وقدراته الخارقة، ورحمته التي لا تغيب، مع دعاء متواصل من المحبين والموحدين والخيرين للمريض العزيز بيننا، باستذكارنا لله، وخوفنا منه، والتزامنا بما أمر به ونهى عنه، في ظل دين لا نفقد معه الأمل، طالما كانت هناك صحبة مع الإيمان، وثقة بأن الحياة والموت والصحة والمرض هي خيار إلهي لنا، لنخرج من هذه الدوامة بأفضل وأجمل وأروع من حساباتنا وحسابات شاعرنا الكبير.
***
وأبقى في دفتر الأحزان، أقلِّب صفحات منه، لأقرأ عن الأحباب الذين غابوا، وعن الآخرين الذين تقر العين بهم من حين إلى آخر، عن المريض العزيز الذي أدعو له بالشفاء، وعن الغائب بعض الوقت الذي أدعو له بعودة حميدة، عن ضعف الإنسان كلما غرق بدمع عينيه، وعن قوته كلما تذكر أن له خالقاً قادراً على أن يشفي المريض، ويحيي الموتى، ويعيد للإنسان صحته وحياته وجمال الحياة في عينيه.
***
أجل، فالإنسان مخزن كبير للعواطف والمشاعر الإنسانية، مثلما أنه وعاء لاستقبال الأمراض بكل أنواعها ودرجات خطورتها، يحزن ويؤلم كل مريض، أن مرضه يبلغ ويمتد إلى كل محبيه وأصدقائه وأقربائه والمقربين منه، وهو امتحان له ولهم، لكن يبقون جميعاً بلا يأس ومن غير أن يستسلموا، فرحمة الله تسعهم وتسع كل شيء، فاللهم اشفِ مرضى المسلمين وعافِهم واعفُ عنهم وردهم إلى أهلهم وبيوتهم وأعمالهم سالمين غانمين.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244