إعداد: وفاء الناصر
البعض يدعوها عزلة اجتماعية، والبعض يطلق عليها عدم تواصل.. ولكن مهما تم التلاعب بالألفاظ لا يمكن أن يخطئها أحد، إنها الوحدة.. الداء الذي يلازم كبار السن ويجبرهم على ملازمة منازلهم وعدم التواصل مع المقربين من الأهل والأصدقاء. ولا يقتصر الأمر على كبار السن بل يتعداهم إلى غيرهم من فئات عمرية مختلفة ممن يلهثون يوميا وراء لقمة العيش ساعات طويلة وقاسية، تمنعهم من إقامة علاقات حميمة مع المقربين، إنها حالة فرضها أسلوب الحياة.
ترتبط الوحدة بالمناسبات، حيث تبرز الأزمة ويشعر الإنسان فيها بأنه بحاجة إلى صديق.. وشعور الوحدة يمكن أن يصيب الإنسان في أي سن، وعند البعض الوحدة هي مشكلة كل وقت على مدار العام، لكنها تختلف من سن لآخر. فالشباب غالبا ما يجدون من يؤنس وحدتهم سواء من خلال العلاقات العاطفية أو بتشكيل مجموعات شبابية تمارس نشاطات ترفيهية دائمة، لكن شريحة كبار السن هم الذين يعانون من الإحساس بالوحدة؛ لذلك يتم العمل حاليا على القيام بحملات لمساعدتهم على هزيمة هذا الشعور.
وتشير الدراسات الحالية في العالم إلى أن نسبة الذين يعانون من الوحدة ازدادت بصورة كبيرة قياسا بالخمسينيات، حيث اختلف أسلوب الحياة؛ لذلك اقترح الباحثون نظاما لإزالة أسباب الوحدة لدى الكبار، منها العمل على انخراطهم في النشاطات الاجتماعية وتوسيع استخدام الإنترنت ليبقوا على اتصال مع الآخرين، ويجدوا من يستمع إلى مشاكلهم ويساعدهم على حلها.
المخاطر الصحية
تهدد الوحدة حياة صاحبها، فقد كشفت دراسة علمية جديدة أن الشعور بالوحدة يضاعف من مخاطر الإصابة بالاكتئاب والأمراض القلبية، مقارنة مع العيش مع شريك أو أفراد العائلة، فالنساء فوق عمر الستين والرجال بعد الخمسين الذين يعيشون وحدهم يكونون في خطر متزايد للإصابة بعدة حالات مرضية منها خناق الصدر الحاد والنوبات القلبية.. ويعتبر التدخين والحمية الغذئية غير السليمة التي تلازم الذين يعيشون وحدهم، أهم الأسباب الحقيقية وراء ازدياد مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية، وقد حذرت دراسة أخرى من أن الاكتئاب قد يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
فالعوامل المتعلقة بتدني مخاطر الإصابة بأمراض القلب تشمل العيش مع شريك، والمستوى الثقافي العالي للفرد، وكون الإنسان منخرطاً في بيئة العمل.
وقد طرحت صحيفة (إكسبريس) عشر خطوات لهزيمة الإحساس بالوحدة لدى كبار السن، والتي بإمكانها أن تمحو لعنة العزلة الاجتماعية على النحو التالي:
1- الرعاية الصحية:
معظم كبار السن لا يتلقون الرعاية الصحية الضرورية، وينبغي الالتفات إلى أهمية الرعاية في هذه السن حتى من المتاعب العادية؛ لأنها قد تسبب عواقب وخيمة. أكثر متاعب كبار السن تتمثل في عدم السمع وعدم القدرة على الحركة، ومشاكل القدمين.. وعلى عكس ما هو متوقع نجد هؤلاء الكبار يحتاجون إلى النصح كثيراً، في كل شيء تقريباً، ابتداء من تناول الطعام مروراً بالمعلومات التي يحتاجون إليها في الحياة اليومية إلى طرق العلاج ووسائل التخلص من بعض الآلام والمتاعب في أجسادهم، ولذلك تتربع الرعاية الصحية على رأس قائمة المهام التي من المفترض أنها تهزم الإحساس بالوحدة لدى كبار السن.
2- الدخل المادي:
يحتاج كبار السن إلى دخل معقول يستطيعون من خلاله إشباع احتياجاتهم للحياة، كما أن كبار العاجزين يحتاجون أكثر من غيرهم إلى مال أكثر للوفاء بالتزاماتهم نحو الآخرين الذين يساعدونهم في قضاء حاجاتهم اليومية، وهناك تكاليف ضرورية للنقل والمواصلات والمساعدة داخل البيت أيضا، ومن المفضل وجود مرافق للحركة دائما مع كبار السن حتى نضمن سلامتهم ولا يحدث لهم مكروه من أي ظرف طارئ.
3- الإحساس بالأمان:
هناك خوف دائم لدى كبار السن من ارتكاب الجرائم بحقهم، وأن يهاجموا بغرض السرقة أو النهب؛ لذلك ينبغي أن يُحرروا من ذلك الوهم، ويشعروا بحماية الشرطة لهم داخل المجتمع، فذلك يفيدهم في الإحساس بالأمان.
4- خدمات المنعزلين:
هناك الكثير من كبار السن المنعزلين الذين يعيشون في أطراف المدن، وعلينا تقديم الخدمات الضرورية لهم مثل التليفونات بأسعار معينة والطعام بموجب بطاقات مخفضة، وغير ذلك من خدمات تشعرهم بالأمان، ويجب أن تكون هناك جمعيات تواظب على الاتصال بهم إذا لم يكن لديهم أقارب يسكنون بالقرب منهم حتى لا يشعروا بأنهم محتجزون داخل مساكنهم، كذلك يجب تقديم العون للأثرياء منهم لتشجيعهم على استثمار أموالهم بالطرق الصحيحة، حتى لا يتعرضوا لعمليات نصب أو احتيال تفقدهم نصيبهم المتبقي من المال في الحياة الدنيا؛ ما ينعكس أثره النفسي على صحتهم العامة.
5- الرعاية الاجتماعية:
يحتاج كبار السن إلى رفيق شبه دائم يلبي لهم احتياجاتهم البسيطة في المأكل والملبس والمشرب والحركة وغير ذلك. ومن كان غير قادر على الانتقال إلى بيت للمسنين فعليه الاعتماد ولو قليلا على الغير في تأمين حاجته اليومية في عزلته؛ لذلك تجب الدعوة إلى تخفيض تكاليف خدمات الرعاية الاجتماعية المختلفة لهم بصورة شبه دائمة.
6- بيئة مساعدة:
يتم منع كثير من كبار السن من مغادرة منازلهم بسبب المصاعب التي يواجهونها في سبيل تلبية ضرورات الحياة الأساسية التي ينبغي أن توفرها لهم البيئة المحيطة، وتنادي بها الجمعيات العالمية لكبار السن بضرورة توفير مكاتب البريد أو العجلات أو المراكز الصحية قريباً من أطراف المدن التي يعيش فيها بعض كبار السن حتى لا يتعبوا في قضاء احتياجاتهم.
7- مواصلات أفضل:
يجب توفير مواصلات عامة أفضل ببطاقات مخفضة لكبار السن خاصة من يعيشون في المناطق الريفية أو على أطراف المدن، فذلك يشعرهم بالأمان والطمأنينة فلا يحسون بالعزلة أو أنهم على طرف العالم.
8- خدمات الأرامل:
قد يحتاج كبار السن الأرامل الذين غاب عنهم شركاء حياتهم لرعاية أكثر من الذين لا يزالون يقيمون مع شركاء حياتهم، فالأرامل يحسون بالوحدة والعزلة أكثر من الآخرين ولا بد من مساعدتهم على التكيف مع الحرمان من شريك العمر وتعليمهم كيف يتعاملون مع شؤون الحياة اليومية التي كانوا يعتمدون فيها على الآخرين دون مشقة أو تعب.
9- شعور الأقليات:
يجب التغلب على الإحساس الموجود لدى كبار السن بأنهم يشبهون الأقليات، فلا بد أن نمنحهم الأمان حتى يتخلصوا من الوحدة والعزلة والأوهام البغيضة التي تجعلهم يحسون بأنهم مثل الأقليات التي تعيش داخل مجتمع عنصري يعمل ضدها.
10- يجب أن نشجع كبار السن على تنمية القدرات التعليمية لديهم، أو كيف يقضون وقت الفراغ في تحقيق أهداف مثل زيادة مستواهم التعليمي أو الدخول في أنشطة اجتماعية لا يحسون معها بالتمييز ضدهم حين يحققون ما يريدون بعيداً عن مقولات انهزامية من قبيل (ماذا سيفعل بهذه الشهادة؟) أو (في هذا العمر ماذا يفيد أن يفعل كذا؟) لأن هذه الأنشطة الاجتماعية هي التي تجعل كبار السن يحسون بأنهم ما زالوا فاعلين في الحياة وأن هناك فرصاً لحياة أفضل حتى ولو بقي في العمر أيام، ويكفينا الاقتداء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).