يقدم لنا فيلم البحث عن السعادة قصة خيالية في رداء واقعي. والفيلم مستلهم عن قصة حقيقية، وهو يدور حول الأحداث الرهيبة والمخيفة التي يمر بها (كريس جاردنر) الذي تتحول جهوده لمنع عائلته من الغرق في الفقر إلى نضال بين الحياة والموت وفقاً لأبعاد دارون الاجتماعية. ففي أوائل الثمانينيات، أثناء قيام (رونالد ريجان) بإعلان الأخبار الاقتصادية السيئة عبر التلفاز، كان (كريس) على وشك أن يثبت انه لا يتعين أن يكون لديك جيش لإعلان الحرب على الفقر، ولكن كل ما تحتاج إليه هو البسمة والذكاء، والإصرار الحقيقي. (ومن العوامل المفيدة هنا أن النجم الذي يقوم بأداء دور هذه الشخصية هو ويل سميث الذي يستحوذ على عاطفة الجمهور بشكل طبيعي).
ويسرد الفيلم كيفية قيام (كريس) الذي يعاني دائماً من سوء الحظ، ببعض التصرفات الحمقاء تجاه زوجته (ليندا) (ثاندي نيوتون) ويفقد شقته، ومع ابنه البالغ 5 سنوات من العمر، كريستوفر (جادن جريستوفر سير سميث، ابن سميث الحقيقي)، لينضما إلى صفوف المشردين، وان لم يكونوا اليائسين من الحياة. وبطرده من الحياة المعتادة ومن ملجأ إلى ملجأ، نرى أن (كريس) لا يزال يتمسك بكرامته وإصراره وإيمانه وحبه واستقلاله بعناد. ويكتسح تفاؤله الفيلم مثل ضوء البحث، والسحاب المتباعد والأفكار السوداء.
سعادة مفتقدة
فالقصة نفسها لا تتغير، تقديم الحلم الأمريكي بشكل فني وبيعه بمهارة. ولهذا الغرض، نجد أن إنتاج الفيلم غير ملفق وغير منمق وشفاف ويخدم التعبير الدافئ الذي يقدمه لنا السيد سميث. فهذا الدفء يعطي إيحاء بالصدق، كما تبدو الشقة التي تعيش فيها عائلة كريس في بداية الفيلم، والتي تبدو مثل الصفقة التي يتم إبرامها من تاريخ حصول الأجر إلى التاريخ الآخر. وكما يفعل مركز العناية النهائية المزدحم، فإنه لا يمكنه أن يقدم السعادة (وفقاً لعنوان الفيلم.)
ويعتبر هذا شيئاً ضئيلاً، أخذاً في الاعتبار الحس المعتاد للطبقة الاقتصادية في صناعة الأفلام، وهو منظور يتم تغليفه بواسطة المحلل الذي وصف عائلة الطبقة المتوسطة في فيلم Little Miss Sunshine على أنها الطبقة العاملة، وربما لأن الأم تقوم بقيادة سيارة عتيقة بدلاً من قيادة مرسيدس من طراز جديد.
فالمال له وزنه في فيلم البحث عن السعادة بشكل مشابه لأهميته في الحياة، ولكنه ذو أهمية اكبر في هذا الفيلم مقارنة بمعظم أفلام هوليوود التي تلقي الأضواء على الفقراء، ويرجع ذلك بشكل كبير لأن بحث (كريس) عن السعادة يصبح في النهاية تعبيرا متبادلا مع بحثه عن المال. فهو لا يريد فقط الحصول على حياة أفضل وأكثر أماناً له ولابنه، وذلك وفقاً لتصميم الموضوع أو من خلال مثَل (كريس جاردنر) الحقيقي، حيث يبدو انه يتطلع لحياة الرفاهية، المقاعد في كبائن الإستاد الرياضي ورياضة السيارات التي يتوقف في الفيلم ليعبر عن إعجابه بها. فرغباته ليست إلى الأعلى فقط بشكل متحرك، ولكنها مادية بدون حدود. وبدلاً من الحصول على منزل مناسب كبداية، فإنه يتطلع إلى البيوت المرفهة. وليس هناك غرابة في انه يتطلع لكي يعمل سمسار أسهم.
عاصفة من الدموع
وقد يبدو ذلك ضربة قاضية، على الأقل بالنسبة للبعض، ولكنه يمثل الحرب المقدسة في هذا الفيلم. فقد قام (كريس) الذي بدأ حياته العملية بنفسه، بإغراق كافة أموال العائلة في المساحات الطبية المكلفة التي يحاول بيعها إلى الأطباء والمستشفيات. ولكن أسعار هذه الأجهزة مبالغ فيها والشيء الأكيد هو انه أصبح مديناً. وبعد أن اضطرت للعمل نوبتين في وظيفة صعبة، يتفجر غضب ليندا ضد كريس، مما يبدو معقولاً بسبب مغامرته بكافة مدخراته في مشروع أحمق (وبعكس زوجته، لم يقم بالعمل نوبتين). ولكن هذا الفيلم يدور حول عاطفة الأب، وليس عاطفة الأم، وبعد فترة قصيرة، تغادر ليندا الصورة في سحابة من دخان السجائر وعاصفة من الدموع.
ويبدو أن (كريس) ومخرجي الفيلم كانوا سعداء بمغادرة ليندا، رغم أن الحياة أصبحت أصعب فيما بعد. وبعد فترة قصيرة، فقدت الأجر الذي كانت تحصل عليه. وتدور أحداث الفيلم بشكل كبير حول الجهود التي بذلها (كريس) فيما بعد لكي يستمر هو وابنه في البقاء في المنزل والحصول على طعام أثناء تسجيله في برنامج تدريبي دون اجر في مؤسسة كبيرة للمضاربة بالأسهم. وبسبب ذكائه وإصراره، يدخل كريس في العالم الخيالي للرجال الذين يتكلمون بصوت مرتفع والهواتف التي لا تتوقف عن الرنين والأسطح اللامعة ورؤساء العمل الكرماء. ويقوم بمجاراة هذا الجو، وعندما يطلب منه أحد رؤسائه أن يسدد ثمن سيارة الأجرة، يقوم على نحو سريع بفتح حافظة نقوده.
وتعتمد كيفية استجابتك نحو هذه القصة المؤثرة لهذا الرجل على كيفية تقبلك لأداء ويل سميث وابنه ومدى اقتناعك به بحيث تصدق فكرة أن الفقر يأتي من الاختيارات السيئة، وان النجاح يأتي نتيجة للأعمال البطولية والأحلام.
كان أداء الشخصيتين جيداً بالتأكيد، بالرغم من تألق سميث وإتاحة مساحة اكبر له عندما قام ببطولة نجم فيلم Ali للمخرج ميكال مان. فهذا الفيلم يبدو مقارنة مشوقة مع هذا الفيلم، ليس من حيث الجوانب المتعلقة بصنع الفيلم، ولكن فيما يتعلق برؤيته لمعنى الرجل الأسود المناضل في أمريكا. ففي فيلم واحد، يقوم الرجل الأسود بالنضال لكي يصل إلى القمة من خلال قبضة يده، وفي الفيلم الآخر يقوم بالابتسام.