* إعداد - أشرف البربري
رغم الضجيج الذي أحاط بالبعد السياسي في إستراتيجية الرئيس الأمريكي جورج بوش للتعامل مع كارثة العراق التي صنعها بيديه، وتركيز الجانب العسكري من هذه الإستراتيجية على الرغبة في إرسال أكثر من 20 ألف جندي إضافي إلى العراق، فإن المحللين يقولون إن هناك جوانب أهم وأخطر كان يجب الوقوف عندها.
وفيما يلي محاولة للوقوف على الكيفية التي تنظر بها دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة إلى الخطوات الأخيرة التي اتخذها بوش لتعزيز موقفه إزاء قضية العراق بإرسال المزيد من القوات إلى العراق وبناء ما أسمته الإدارة الأمريكية (القواعد الثابتة) لقواتها، وهي القواعد التي يرى المخططون لها أنها مهمة في إدارة العمليات العسكرية وحماية الإمدادات النفطية. فقد نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تحليلا موسعا لاحتمالات نجاح أو فشل هذه الإستراتيجية على المستوى العسكري، وما يمثله ذلك من مخاطر سواء على العراق أو حتى على القوات الأمريكية نفسها.
تناولت الصحيفة الأوضاع العسكرية منذ بدء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م قائلة إن كبار القادة والمحللين العسكريين في الولايات المتحدة آنذاك كانوا يتوقعون أن تضطر القوات الأمريكية إلى خوض معارك ضارية في طريقها نحو العاصمة العراقية بغداد، ثم تخوض بعد ذلك حرب شوارع من منزل إلى منزل في بغداد نفسها ضد عناصر الجيش الجمهوري العراقي وفدائيي صدام في معارك توقعوا أن تكون الأخطر والأشد دموية في عملية الغزو.
ولكن الأمور لم تمض وفق هذا السيناريو، بل انتهت عملية الغزو بسهولة كبيرة، وسقطت بغداد بسهولة أكبر، ومثل مشهد إسقاط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس بقلب العاصمة بغداد في التاسع من إبريل 2003م في نظر المخططين في البنتاجون دليلا على انتهاء عمليات احتلال العراق.
ولكن ها هم الأمريكيون الآن بعد مرور أربع سنوات على هذه الأحداث يستعدون لخوض تلك المعركة التي تأخرت طوال تلك السنوات، حيث تستعد القوات الأمريكية لخوض حرب شوارع من منزل إلى منزل في العاصمة بغداد من أجل القضاء على المقاومة والجماعات المناوئة للاحتلال وللحكومة العراقية الموالية لها.
عام دام وعنيف
تقول الصحيفة ردا على هذا التساؤل حول مدى توافر الموارد اللازمة لتنفيذ هذه الخطة وتأثير ذلك على تدريب وتسليح الجيش الأمريكي وخططه لحروب المستقبل على المدى الطويل، إن المسؤولين في إدارة بوش وأنصاره ومعارضيه يؤكدون أن التحدي صعب للغاية، وأن العام الحالي سيكون (داميا وعنيفا)، بصرف النظر عن نجاح أو عدم نجاح الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي فيما بعد، وهو ما صرح به رئيس أركان الجيش الأمريكي نفسه.
بل يؤكد ذلك الرئيس بوش نفسه بقوله (حتى لو نجحنا في تنفيذ الاستراتيجية كما هو مخطط لها فإن عمليات العنف القاتلة سوف تستمر، وسوف يسقط المزيد من القتلى بين الأمريكيين والعراقيين).
كذلك يعترف مخططو الحرب في الإدارة الأمريكية بعجزهم عن التنبؤ بالفترة التي تحتاجها القوات العراقية والأمريكية لتنفيذ خطة أمن بغداد، كما اعترف روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكي الجديد، في مؤتمر صحفي له بالبيت الأبيض بألا أحد يمتلك أي رؤية واضحة للفترة التي ستقضيها القوات الجديدة هناك رغم أن الزيادة في عدد القوات الأمريكية بالعراق ينظر إليها باعتبارها إجراء مؤقتا.
وتمضى الصحيفة في تحليلها للأوضاع قائلة إن جزءا كبيرا من احتمالات نجاح أو فشل الخطة الأمريكية يتوقف على طبيعة تعامل قوات المقاومة معها. وربما تكون المعركة الطويلة الضارية التي وقعت مؤخرا في أحد أحياء بغداد واستمرت 11 ساعة، في مكان قريب من المنطقة الخضراء التي تخضع لإجراءات أمنية أمريكية مشددة، مؤشرا على ما ينتظر الخطة الأمريكية في المستقبل.
الخشية من التورط
يعتقد لورين تومسون، المحلل العسكري في معهد لكسنجتون للدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة، أن اشتراك القوات الأمريكية في تأمين أي مناطق في العاصمة بغداد بالصورة المقترحة سوف يؤدي إلى زيادة تورط القوات الأمريكية في العراق بدلا من توفير الظروف الملائمة لانسحاب أمريكي من هناك في المستقبل بعد أن تكون القوات العراقية قد وصلت إلى مرحلة تستطيع فيها الاعتماد على نفسها.
ويقول العقيد المتقاعد دان سيمث إن الأمريكيين إذا كانوا يريدون النجاح للتكتيك الذي سوف يستخدم في تطبيق هذه الاستراتيجية، أي اصطياد وقتل المسلحين العراقيين، فإنهم يحتاجون إلى الحصول على معلومات دقيقة من العراقيين إلى جانب إرسال القوات الإضافية التي تقدر بحوالي 21.5 ألف جندي.
ويستدرك سيمث، الذي يعمل حاليا خبيرا عسكريا في مؤسسة لجنة الأصدقاء للتشريع الوطني في واشنطن، قائلا إن الأمريكيين - لكي يحصلوا على المعلومات المطلوبة من العراقيين - سيجدون أنفسهم في حاجة إلى كسب ثقة الشعب العراقي وإقناعهم بأن المسلحين لن يتمكنوا من الثأر منهم، وهذا يتطلب بناء قدر من الثقة في القوات الأمريكية وهي ثقة غير متوافرة في الوقت الحالي.
ويرى إيفان إيلاند، خبير شؤون الأمن القومي في مركز المعهد المستقل للأبحاث في الولايات المتحدة، أن إضافة المزيد من الجنود الأمريكيين إلى القوة الموجودة في العراق حاليا، وظهورهم في الشارع، سوف يجعل المقاومة العراقية متحفزة للتحدي، كما أن ذلك سوف يؤدي إلى ازدياد خسائر الأمريكيين من خلال تداخل القوات الأمريكية مع العراقيين بحيث لن يظل الجنود الأمريكيون مختبئين في قواعدهم المحصنة، وهو ما سيزيد من وتيرة المقاومة العراقية.
ما طبيعة الدور الإيراني
في العراق؟
ويقول الخبير لورين تومسون إن الجيش الأمريكي لن يتمكن من مواصلة بقائه على هذا المستوى المرتفع في العراق دون أن يقلص قدراته على مواجهة الأزمات الأخرى في مناطق العالم المختلفة، ذلك أن وحدات الانتشار السريع في الجيش الأمريكي مثل الفرقة 82 المحمولة جوا مضغوطة تماما في العراق، كما أن بقية القوات الأمريكية مستنزفة بشدة هناك.
وقد أصبح واضحا بشدة أن الولايات المتحدة أصبحت في حاجة إلى جيش أكبر، ولكن الإدارة الأمريكية فشلت في التحرك لعلاج هذه القضية على مدى سنوات، بالإضافة إلى تضاؤل الأمل في ضم مجندين جدد يمكن الاعتماد عليهم في الجيش الأمريكي في المستقبل القريب في ظل الظروف الراهنة الصعبة التي يمر بها أقوى جيش في العالم.