أحدثت ثورة المعلومات وانتشار تطبيقات التقنية وتعدد وسائلها نقلة نوعية في عالم الاتصال والمعرفة، نتج عنها تغيير في شكل العالم، وأسهمت في جميع مجالات حياة الإنسان. ونتيجة للتزاوج بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، أصبح الحصول على المعلومات يتم بأقل جهد وأقصر وقت. وقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على توظيف هذه التقنية في خدمة المواطن والمقيم، كما أكدت على توسيع دائرة هذه الخدمة لتشمل ضيوف الرحمن.
ولأهمية موضوع توظيف التقنية نظمت مؤخراً وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات المؤتمر الوطني للتعاملات الإلكترونية الذي حظي بالرعاية الملكية السامية، وغطى عدداً من المحاور من أهمها: التعاملات الإلكترونية الحكومية والتعاملات ذات العلاقة بالقطاع الخاص، وتعاملات الأفراد ومتطلبات البيئة التحتية وتطبيقات التعاملات الإلكترونية مع الأخذ بالتجارب السابقة في هذا المضمار، وصولاً إلى تسريع التحول إلى تطبيقات التعاملات الإلكترونية من الجانب التنظيمي والتشريعي والفني وتطوير المفاهيم وقبول التغيير.
تسهيل الدخول
وانطلاقاً من مفهوم التيسير الذي هو روح الإسلام الذي تتخذه المملكة عقيدة وشرعاً ومنهجاً فقد اهتمت الحكومة الرشيدة هذا العام بجانب التقنية وأعطته أولوية قصوى في تعاملاتها تيسيراً على ضيوف الرحمن؛ فمنذ دخول الحجاج إلى المنافذ الحدودية للمملكة، أولى القائمون على هذه المنافذ رعايتهم واهتمامهم بهم تسهيلاً عليهم في سرعة إنجاز إجراءات دخولهم إلى أراضي المملكة، وذلك من خلال ما تم تزويد هذه المنافذ به من أجهزة عالية الدقة، منها جهاز كشف الطرود والجهاز الإشعاعي؛ ما أسهم في السرعة والدقة من جانب الموظف أثناء القيام بواجبه خدمة لحجاج بيت الله الحرام.
ولضمان سلامة وصول الحجاج بسلام إلى مكة المكرمة، فقد أقامت وزارة الحج مركزاً لتفويج الحجاج ضمن مرافق مركز 9 كيلو على طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة السريع، وذلك بالتنسيق مع المؤسسة الأهلية للأدلاء والنقابة العامة للسيارات لخدمة ضيوف الرحمن المغادرين والمارين بالمدينة المنورة في طريقهم إلى مكة المكرمة لتأدية مناسكهم. وفي هذا المركز يتم الكشف بواسطة معدات وأجهزة تقنية حديثة على الحافلات لبيان مدى صلاحيتها وسلامة أجزائها.
اتصالات متكاملة
ومن الخدمات التقنية كذلك ما قامت به شركة الاتصالات السعودية من جاهزية لتقديم اتصالات متكاملة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ورفع القدرة الاستيعابية لشبكة الجوال إلى 4.7 ملايين عميل، كما عملت الشركة على تجاوز المعوقات التي كانت تواجهها سابقاً في تغطية المشاعر المقدسة وحرصت على بناء وتطوير شبكة الجوال بما يتناسب ومستعملي هذه الشبكة من خلال شبكتها الثابتة والمتنقلة. وأتاحت الشركة كذلك هذا العام خدمة الاتصال المرئي لأول مرة في مواسم الحج وكذلك الدخول إلى شبكة الإنترنت والقنوات الفضائية، وتمكن حجاج بيت الله الحرام من التواصل مع ذويهم عبر هذه الخدمة التي تأتي تماشياً مع التطور الذي تشهده المملكة تقنياً. وإيماناً من الشركة بتقديم خدماتها على أفضل وجه، قامت هذا العام باستخدام تقنية الفايبر في تغطية جسر الجمرات والأنفاق الخدمية عن طريق المرسلات والمستقبلات المربوطة بالفايبر وهو أحدث ما توصلت إليه التقنية في مجال الاتصالات. الجدير بالذكر أن أكثر من نصف مليون حاج استخدموا في حج هذا العام شبكات اتصال محلية، وحققت شبكة الجوال في موسم هذا العام نسبة عالية من الأداء بتمكينها من تمرير المكالمات لعملائها بكل انسيابية من جميع دول العالم وإليها، حيث سجلت الاتصالات السعودية أرقاماً قياسية خلال هذا العام من خلال وصول عدد المكالمات يوم التروية ويوم عرفة وليلة العيد للحجاج من الجوال ما يقارب 88 مليون مكالمة لعملاء شبكة الجوال في منطقة المشاعر المقدسة. كما دعمت الشركة عدد الدوائر الدولية ليصل إلى 120 ألف دائرة واعتمدت الاتصالات السعودية إمكانية التجوال الدولي من خلال عقد اتفاقيات مع 357 مشغلاً للخدمة في مختلف أنحاء العالم لتمكين الحجاج من استخدام هواتفهم الجوالة العاملة بنظام التجوال الدولي، كما قامت الشركة بتغطية كل الطرق المؤدية إلى الأماكن المقدسة بخدمة الهاتف الجوال. ووصل طول الطرق المغطاة بالخدمة أكثر من 20 ألف كيلو متر.
وقامت شركة اتحاد اتصالات (موبايلي) بإضافة عشرات الأبراج الجديدة إلى شبكتها المستقلة في المشاعر المقدسة وعموم مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقامت في هذا السياق بدعم الشبكة بمقاسم جديدة لمواكبة الأعداد المتزايدة من المشتركين أو المتجولين الدوليين في شبكتها خلال حج هذا العام، كما قامت الشركة بمضاعفة سعة الشبكة في المدينة المنورة بنسبة 100% لتصل الطاقة الاستيعابية لشبكة موبايلي في المدينة المنورة وحدها أكثر من 600 ألف مشترك. ووفرت الشركة أكثر من 20 موقعاً لبيع الشرائح في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وخصصت لجنة التوعية الإسلامية في الحج 40 خطاً هاتفياً إرشادياً مجانياً يجيب فيها نخبة من الدعاة والعلماء على استفسارات الحجاج الشرعية المتعلقة بالحج.
ولأول مرة، وباللغتين العربية والإنجليزية، بث الدفاع المدني مليوني رسالة جوال توعوية للحجاج خلال فترة الحج تشمل عبارات إرشادية عن المخاطر التي قد يتعرض لها الحاج مثل مخاطر حمل الأمتعة، واستخدام الغاز، والعبث بصناديق الإطفاء والسكن في الأودية وعبور مجرى السيول.
متابعة آلية
وفي غرفة قيادة الطوارئ الصحية تابع موظفو وزارة الصحة الوضع الصحي لضيوف الرحمن من خلال تقنيات تعمل على مدار الساعة تمثلت في كاميرات متحركة تم تثبيتها في الشوارع يتم التحكم فيها عن طريق جهاز تحكم تظهر شوارع مشعر منى ونسبة الازدحام ليتم في ضوء ذلك توجيه فرق الطوارئ إلى مكان حدوث الحدث، كما تم ربط غرفة الطوارئ آلياً مع المستشفيات ليتم بذلك ضبط إحصائي دقيق لنسبة الإشغال في هذه المستشفيات والأسرة المشغولة في كل لحظة؛ ما ساهم في معرفة عدد أسرة المستشفيات الشاغرة في المشاعر المقدسة والعاصمة والمقدسة لحظة بلحظة.
كاميرات سرية
ولضمان أمن الحجيج والمحافظة على ممتلكاتهم، وإلى جانب نشر أعداد كبيرة من رجال الأمن المزودين بالأجهزة والتقنيات الحديثة، نشرت قوات الأمن كاميرات سرية في جنبات السعي وصحن الطواف ومداخل ومخارج الحرم المكي أشرف على تنفيذها وإدارتها ضباط وضباط صف متمكنون أمنياً.
وتجاوز استعمال التقنية في حج هذا العام حدوداً وصلت إلى ذبح هدي الحجاج وذلك وفقاً لنظام إلكتروني أتاح فرصة شراء الهدي باستخدام البطاقات الائتمانية أو الحوالات المالية. ولسهولة توفير هذه الخدمة اتفق البنك الإسلامي للتنمية المشرف على تغطية مشروع فدي وهدي وأضاحي الحجاج مع أحد البنوك في المملكة؛ وتم لذلك توفير بعض المخيمات وأجهزة الحاسب المزودة بالشبكة العنكبوتية لتمكين الحجاج من التضحية إلكترونياً.
وفي مجال خدمة إرشاد الحجاج الذي تضطلع فرق الكشافة بدور رئيس فيه، اعتمدت هذه الفرق تقنية جديدة هذا العام عن طريق الإنترنت، حيث يمكن أن يتولى إرشاد الحاج أي شخص لديه شبكة إنترنت. وتكمن ميزة هذه الخدمة في إرشاد الحجاج التائهين من أي موقع بسهولة دون أن يتطلب الأمر إيصال الحاج التائه إلى مراكز الإرشاد، وذلك بالدخول إلى الموقع على الإنترنت والتعرف على موقع الحملة التي يتبعها الحاج عن طريق مجموعة من الخيارات للبحث، إما عن طريق سكن الحملة أو اسم المكتب أو الحملة.
سوار إرشادي
ومنذ اللحظة الأولى لدخول الحاج إلى أرض المملكة يسلم سوار يضعه على معصمه تم تصميمه لإرشاد التائهين من خلال دراسة أعدها أكاديميون في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وقدموها لمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج طالبته بضرورة تصميم جهاز إلكتروني ذكي لمساعدة الحجاج للتعرف على الاتجاه الصحيح في العودة لمخيماتهم داخل المشاعر المقدسة على أن يقوم بتوفير إمكانية التحكم في حركة الحجاج عن طريق استقبال إشارات توجيهية وتحذيرية عند الحاجة؛ وبذلك يمكن القول إن حج هذا العام اتسم بتوسيع استخدام التقنية، وشكّل ذلك أبرز سماته.