اختتم يوم الأربعاء الماضي المؤتمر الوطني للتعاملات الإلكترونية الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين، وافتتحه نيابة عنه - حفظه الله - معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، وقد نظمت المؤتمر وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع وزارة المالية وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وذلك في مركز الملك فهد الثقافي. وجاء تنظيم المؤتمر للوقوف على التجارب المحلية التي قام ويقوم بها القطاعان العام والخاص في مجال التعاملات الإلكترونية وعرض تجارب الخبراء والمختصين الدوليين وتجارب دولهم في هذا المجال والاستفادة منها، وتعزيز التواصل فيما بين المشاركين من أصحاب القرار في القطاعين العام والخاص بغية التوصل إلى قاعدة مشتركة من شأنها تطوير مفاهيم عمليات التعاملات الإلكترونية، وإيجاد علاقة أفضل بين هؤلاء الشركاء الأساسيين في التطبيقات العملية.
ويمثل برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية بأهدافه وطموحه ثورة إدارية وتنموية؛ إذ يربط بين تقنيات المعلومات وبين مهمات الجهاز الحكومي ومسؤولياته من خلال اتباع استراتيجيات وسياسات واضحة تأخذ في الحسبان المتغيرات في مجال صناعة المعلومات، وانعكاس ذلك على الأعمال الحكومية، ويعد مفهوم التعاملات الإلكترونية الحكومية أحد روافد التعامل الإلكتروني، والأسلوب الأقوى الذي تتبناه الحكومات لتطوير أعمالها وتقديم خدماتها، سواء للأفراد أو المؤسسات، سعياً منها إلى مواكبة روح العصر الذي تميزه تطورات غير مسبوقة في مجال المعلومات والاتصالات، ويهدف تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية إلى تقديم خدمات حكومية أفضل للمواطن والمقيم، ورفع مستوى التفاعل مع قطاع الأعمال، وتعزيز قدرة المستفيدين على الوصول إلى المعلومات بطريقة سهلة وسريعة ورفع مستوى الكفاءة في إنجاز العمل وخفض التكاليف التشغيلية لتقديم الخدمات الأساسية.
نبذة تاريخية
وقد أولت حكومة المملكة تقنية المعلومات اهتماماً كبيراً، وذلك لدورها المؤثر في زيادة اقتصاديات الدول، وقد شهد قطاع تقنية المعلومات تغيرات كبيرة في الأربعين سنة الماضية، وكانت البدايات محصورة في تطبيقات محددة وقليلة. وفي بداية التسعينيات الهجرية بدأ انتشار تقنية المعلومات في الجهات الحكومية، حيث تم استحداث مراكز حاسب آلي، وقد بدأ القطاع الخاص في التركيز على جانب التقنية في تلك الفترة، وبدأ ببيع وصيانة أجهزة الحاسب المختلفة وتطوير بعض التطبيقات، وقد انتشرت تطبيقات تقنية المعلومات في المجالات المختلفة بهدف زيادة الإنتاجية وتحسين مستوى الأداء. كما أولت اهتماماً كبيراً للتحول إلى التعاملات الإلكترونية الحكومية، وذلك لما تقدمه مفاهيم التعاملات الإلكترونية الحكومية من فوائد كبيرة للاقتصاد الوطني، وللأهمية القصوى للتعاون في مجالات متعددة للتحول إلى مجتمع المعلومات، وأهمية تضافر الجهود لتحقيق الأهداف المرجوة، قامت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بإنشاء برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية بمشاركة كل من وزارة المالية وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وذلك بهدف رفع إنتاجية وكفاءة القطاع العام وتقديم خدمات أفضل للأفراد وقطاع الأعمال وزيادة عائدات الاستثمار وتوفير المعلومات المطلوبة بدقة عالية في الوقت المناسب. وتطبق الجهات الحكومية مفاهيم التعاملات الإلكترونية الحكومية بدرجات مختلفة، وقطعت العديد من الجهات الحكومية شوطاً كبيراً في هذا المجال.
مسارات البرنامج
يقوم برنامج التعاملات الحكومية الإلكترونية بدور الممكّن والمحفز لتطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية، ويقلل المركزية في تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية بأكبر قدر ممكن، مع وضع الحد الأدنى من التنسيق بين الجهات الحكومية. وقد وضعت الحكومة خطة عمل لتنفيذ البرنامج وفق مسارين متوازيين أولهما: المسار العاجل ويتم فيه توفير المتطلبات الأساسية للبرنامج وتنفيذ عدد محدود من المشاريع الرائدة في مجال التعاملات الإلكترونية الحكومية. أما المسار الثاني فيبدأ مع بداية تنفيذ البرنامج، ويتم في هذا المسار اختيار استشاري البرنامج ووضع الخطة التنفيذية للبرنامج، وتحديد الأولويات ووضع السياسات والإجراءات والمواصفات والضوابط وإعادة هندسة الإجراءات.
3 مليارات للتعاملات الإلكترونية
واستمراراً لمسيرة الإصلاح والتنمية التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - جل اهتمامه، ولعنايته الكريمة الدائمة بما يتعلق بإنهاء مصالح المواطنين وشؤون المقيمين وقطاع الأعمال، فقد أمر بتخصيص ثلاثة مليارات ريال سعودي لتنفيذ مشاريع الخطة التنفيذية للتعاملات الإلكترونية الحكومية للسنوات الخمس الأولى التي تشمل مشاريع البنية التحتية والتطبيقات الوطنية والخدمات الإلكترونية الحكومية.
ورش العمل
صاحب انعقاد المؤتمر عدد من ورش العمل والدورات التدريبية التي أقيمت يومي السبت والأحد، وقد فاق الحضور التوقعات في هذه الورش من مختلف الجهات الحكومية والخاصة، وكان حرصهم على الاستفادة واضحاً من خلال تفاعلهم مع هذه الورش والدورات. وهدفت هذه الورش إلى معرفة المشاكل واستعرضت التجارب الناجحة، وقد توزعت مواضيعها على أنظمة تخطيط الموارد الحكومية والبنية التحتية للمفاتيح العاملة وأساليب الشراكة مع القطاع الخاص وآلية اعتماد مشاريع الخدمات الحكومية الإلكترونية وأهمية التعاملات الإلكترونية الحكومية وخطوات تطبيق الحكومة الإلكترونية والبنية التحتية المشتركة لتكامل وترابط الجهات الحكومية وأمن الخدمات الإلكترونية ومفهوم التعاملات الإلكترونية.
جلسات المؤتمر
عقد المؤتمر اثنتي عشرة جلسة على مدى ثلاثة أيام، ترأس هذه الجلسات أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء، وتحدث فيها عدد من الخبراء والمختصين في تقنية المعلومات من مختلف القطاعات في المملكة ودوليين من ماليزيا وألمانيا والبحرين ودبي وسويسرا وكوريا وشيلي، عرضوا خلالها تجارب قطاعاتهم وبلدانهم في مجال التعاملات الإلكترونية. وناقشت هذه الجلسات التي أعقبت كل منها حلقة نقاش، الأبعاد الاستراتيجية للتعاملات الإلكترونية الحكومية ومرتكزات ودعائم التعاملات الإلكترونية الحكومية في المملكة وخبرات القطاعات الحكومية في مجال التعاملات الإلكترونية والمشتريات الإلكترونية وتقنيات ومنهجيات التعاملات الإلكترونية والأثر الاقتصادي والاستراتيجي للخدمات الإلكترونية وتجارب دولية في مجال التعاملات الإلكترونية والتنظيم الإداري وإجراءات العمل وأمن المعلومات وتعزيز الثقة بالتعاملات الإلكترونية، وخصصت الجلسة الأخيرة للجلسة الختامية للتوصيات.
المعرض التقني
أقيم على هامش المؤتمر معرض تقني ألقي الضوء من خلاله على مدى التقدم الذي تشهده المملكة في ثورة المعلومات وشارك فيه القطاعان العام والخاص، وشهد عرضاً للكثير من الإنجازات في مجال التعاملات الإلكترونية، وحظي بإقبال جماهيري كبير.
مؤتمر ناجح
وقد أعرب ل(الجزيرة) خلال تغطيتها لفعاليات المؤتمر عدد من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء والمتحدثين والمشاركين في المؤتمر عن سرورهم بنجاح فعاليات المؤتمر، وأشاروا إلى أن اجتماع هذه الكفاءات والخبرات من مختلف دول العالم لمناقشة القضايا والمشكلات يتيح الاستفادة من هذه الخبرات في إيجاد الحلول للمشكلات والاستفادة من تجارب الآخرين سواء التجارب المحلية أو العالمية ومحاولة محاكاة الناجح منها، وكذلك التقاء مديري تقنية المعلومات بمختلف الجهات الحكومية ومناقشة القضايا المشتركة بينهم، ومحاولة وضع خطط العمل المشتركة المناسبة والتعرف على المشكلات والصعوبات التي تواجهها.
وقد ألقى المؤتمر الضوء على ظروف المجتمع العربي ومشكلات الأمية المعلوماتية وتخوف بعض الأفراد من التقنية وكذلك نقص الكوادر البشرية العربية المدربة وغير ذلك من خصائص المجتمعات العربية.
وأشار عدد من المتحدثين إلى ضعف منهاج المحتوى العربي التقني في كل المجالات سواء منها الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأدبية أو ما يتعلق بالمرأة والطفل في المجتمعات العربية وضرورة الاهتمام بهذا الجانب من قبل القطاع العام بمشاركة مع القطاع الخاص. وقد اعتمد المؤتمر في توصياته ما دار في الجلسات من عرض للتجارب المحلية والعالمية وحلقات النقاش التي كانت تعقبها وركز على أبرز ما جاء فيها للأخذ به كتوصيات يخرج بها المؤتمر.