(مالفا) يخبئ كتلة سوداء في سندرة ذهنه
في اللقاء الحواري الذي أُقيم في غاليري (حوار)، بمناسبة عرض أعمال للفنانين: عمر حمدي (مالفا)، والفنان بهرام حاجو، إذ طرح كل منهما تجربته الانسانية والفنية، وهنا لعلي أعرض ما فاض به الفنان عمر حمدي من فكر ألبس على لوحاته التقدير وعزز مضامينها الشكلية.
فمالفا الذي وُلد وعاش في بيئة بسيطة بمقوماتها غنية بما أعطته من تأملات وزرعت فيه الابتكار جراء المعاناة التي قاساها في تلك القرية الصغيرة الواقعة في جزيرة سوريا، فيسرد الفنان صدمته عند نزوله وهو في ريعان شبابه إلى دمشق العريقة ليعرض فيها سبعة وثلاثين عملاً لم تلق ما كان يأمله الفنان من ترحيب ما أعطاه الإحساس كما يقول المفكر (كارل ماركس) بأنه اصبح غريباً عن عمله وبالتالي غريباً عن نفسه وفقد واقعيته واحساسه بحقيقته كشخص؛ ما دعاه إلى حرق تلك اللوحات غير آسف عليها، فأصبحت كتلة سوداء ليس على المستوى المادي فقط وإنما على المستوى الفكري، إذ لازمته تلك الكتلة السوداء في صندوق طمره في سندرة ذهنه لتصبح فيما بعد محورا لكل منابع الرؤى الفكرية والشكلية.
وبعد أن صقل الفنان شخصيته من بيئته التي أعطته الدعامة الروحية والنظرة الصوفية التأملية لكل الأشياء عزيزها وحقيرها، نجده يصل إلى (فينا) بلد العباقرة ليعاني ما يعانيه كل مغترب، إلا أنه وببأسٍ شديد استطاع أن يقف على تلك الكتلة الصلبة السوداء، التي كانت تعمل كالخضاب الذي يعطي للدم لونه، فكانت المحرك الفكري والعملي لكل ما جاد به الفنان من إنتاج ابداعي.
فهذا الفنان بقدر ما يحمله من لوحات جميلة فهو حامل لفكر خصب وطرح عذب، فقد كانت ألفاظه ذات مضامين فلسفية ونفسية عميقة، إذ طرح أسطورة العشق إلا انه لم يقبل بفكرة قتل العاشق معشوقته، حيث كان العشق لديه هو أن يتماهى الفنان بجميع الأشياء المادية وبهذا يعطي الفنان من روحه لتحيا بها تلك الماديات وتحكي لنا نسقا تاريخيا وثقافيا وشخصيا، فهذا واجب كل فنان وناقد في هذا العصر الحديث.
فلا أسف يا (مالفا) على تلك اللوحات المحروقة التي ولدت نموذجا لرجل أخذ من ضعف حيلته في وطنه، قوة يبارز فيها غربته ويمجد أعماله ليطرحها مؤخراً في بني جلدته، فنعم السواد الذي خلف راية بيضاء تختط بسيرة من رفعها.
حمود العنزي
دراسات عليا تربية فنية
***
قراءة في لوحة بدرية الناصر
مربع.. أو مستطيل.. كلها في الأصل.. حدود..
غرف داخل غرف.. إلا في ذاكرة
تنام وتستيقظ كما تشاء
على غيمة حالمة .. تسافر بنا نحو أراضي الحب وسهوله
لتمطر وفاء وتنبت عشقا
..............
في لوحة الفنانة بدرية الناصر.. جرح يعتلي سنام الدهر
يتجاوز خطوطه الحمراء
تلتحف بغموض الليالي المنسية
تستند على ذراعها
تطالع شيئا ما...
بعيون تستعيد أشياءها بالبصيرة
تتجاهل جهات الظل وتفتح بوصلة الضوء في نافذتها
تحرك أجراسه
تتلقف صداه من كل زاوية، هنا وهناك
تتساءل وتسأل
من يبصر قلبا يتوارى في رسالة
أتي بها ذلك الطائر
أم كان بها مسافرا إلى أولئك المحبين
أسرارها غامضة كالوعد فينا وفيهم
يرى قبل أن تستبقه العبارة
..................
بدرية الناصر ترسم الضد وتحارب النقيض
وتجلب الجمال من أعماق قصب السكر ورائحة الندى
تدفعنا للبحث عن بقايانا في أعماق غابات الثلج
وفي الرماد وفي زوايا الشوق المجرد
م.م