الشاعر الدكتور عبدالله سليم الرشيد يطل على القارئ من خلال ديوان جديد وسمه بعنوان: (أوراد العشب النبيل) صدر عن نادي الجوف الأدبي مشتملاً على عدد من القصائد التي تمتعت بالقصر والاقتضاب غير المخل، حيث استدرك الشاعر السليم على الزمن أنه لم يعد زمناً للشعر، ما لم يحاول أن يقتضب مخففاً على القارئ ومحاولاً أن يستميله نحو مضان الشعر، لعل التجربة تحقق أهدافها المهمة.. تلك المتمثلة بالمتعة والفائدة.
يأتي ديوان (أوراد..) بعد عدة إصدارات للدكتور الرشيد بين شعر ونثر ودراسة، إلا أن ما يميز هذا الإصدار الشعري الجديد هو انتهاجه أسلوب التقشف والتكثيف في الصور والمقولات، في وقت تظل الدلالات متداعية تصل أطراف الحقيقة، بعضها ببعض، فلم يعد الشعر في هذا الديوان ذلك البوح المتمادي في ترنماته، إنما أضحى رؤية مقتضبة واعية تحقق شرطية الاختصار غير المخل.
حمل الديوان عبق الفاجعة من مآل أحلامنا التي باتت هماً عصياً على نحو فاتحة الديوان:
(ماذا في وسع المتصعلك..
أن يحكي؟
في زمن.. يرفل في الشوك
ويؤمن بالشك؟!
................
...............
إلا أن يضع الكفين على الخدين، ويبكي.
الجزائر 3111424هـ) (الديوان ص 9)
هذا الاستهلال الشاكي يعنونه الشاعر (باتكاءة موجع) تفاعلاً مع همِّ الإنسان الذي لم يعد في مأمن من نوائب حزن الزمان، حيث تلوذ روح الشاعر بقامة لواعجه، إلا أن أحزان (الرشيد) كعادتها نبيلة تشبه أوراد الشعر المقبل على سجيته.
يعمد الشاعر الدكتور الرشيد إلى صياغة لغة شعرية تصوغ من المعاني الإنسانية دلالات رحبة، حيث تخبرك القصيدة بما يريده الشاعر دون عناء، لأن تكوين الشعر هنا نابع من رؤية خاصة في الشاعر، فهو الذي يحدد منعطفاتها ويرسم تفاصيل وجودها، بل هو القادر على أن يحوّل البوح إلى بيان عميق ينفذ إلى ذات المتلقي من أقصر السبل على نحو قصيدته (حديث ليلة العاصفة) حينما يصور لنا الشاعر الموقف الإنساني المتمثل في حالة (العطر) التي تتحول إلى مشهد رائع يجسد مهابة الجمال التي تسكن إهاب القائل، إلا أن الشاعر بلمحة عقل خاطفة يحول الموقف إلى مشهد أشد حضوراً متمثلاً في القصيدة التي ستأتي على هيئة رعشة حب، أو دهشة جمال تسكن شغاف القلب، إلا أن في كلتا الحالين يظل الشاعر مأسوراً في فتنة الجمال الذي يبحث عنه القارئ في أعطاف القصيدة التي تحمل غالباً دلالات كثيرة أهمها أن الشاعر تأسره انثيالات الجمال الذي يرمز إليه الرشيد بصور عدة على نحو (الفجر، الندى، الضياء، الرباب، العطر) وتفاصيل جماليات آسرة نلتقطها بين سطور القصائد في الديوان.
عني الشاعر عبدالله الرشيد بهيئة القصيدة التكوينية ومضمونها.. تلك التي تحمل دلالاتها الخاصة، على نحو لوحة الفرح المؤجل، أو الشعر الذي لم يأت بعد، أو ذلك الأوان السادر في جدبه، فالتكوين هنا خاص بما يرتئيه الشاعر، وبما يراه مناسباً من سوانح البوح الذي يجعل من القصيدة سيدة، ومن الحزن رجلاً، ومن الربيع حباً راعفاً، ومن الوجد ملاذاً أخيراً لأحلام الشاعر حينما تفزعه احتراقات الواقع الذي لم يعد فيه ما يبهج.
تراوح قصائد الديوان بين التفعيلة، والعمودي، فلكل لون من ألوان الشعر مذاقه الخاص.. ذلك الذي يتوسم فيه شاعر كالرشيد أن يكون للحزن نبرته الإيقاعية الخاصة.. ليأتي موزوناً مقفى لكي تكتمل دلالات الصورة الصادقة عن لب الأشياء، فيما يصبح للفرح وللمطر تفعيلته المتسارعة، حيث يطوي الفأل في أعطافه اشتعالات دفء العلاقة التي تبحث عن الشاعر الإنسان لتشاطره لحظة الموائمة.
الشاعر الرشيد في قصيدة (باقة ورد) يضع القارئ أمام حالة كشف عصية، حينما يشخص حالتنا مع الورد الذي تأتي حياته قصيرة، فما بالك بعد أن يقطف إذا لا يقاوم هذا المخلوق الجميل قصف الموت المباغت:
(عواطفنا.. كعمر الورد
مؤقتة.. كباقة ورد
وذابلة.. ذبول الورد
(الديوان ص 25)
فالصورة في هذه القصيدة، حكاية بالغة التأثير، تفرض فضاءاتها على الذات رؤية إنسانية خالصة.
إشارة:
* أوراد العشب النبيل (شعر)
* عبدالله سليم الرشيد
* نادي الجوف الأدبي 1427هـ.