تلازم (كلا، وكلتا) الإضافة إلى مثّنى معرفة، ويأتيان في وظائف نحوية مختلفة حسب موقعهما من الجملة، فيكونان مبتدأ مضافين إلى الظاهر: كلا الرجلين قادم، وقال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا}[الكهف-33]، وكذلك إن أضيفا إلى الضمير، كقول الشاعر:
كلانا غني عن أخيه حياته
ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا
وقول الفرزدق:
كِلْتَاهُما أسَدٌ ، إذا حَرّبْتَهَا
ورضاهما وأبيكَ خير معاشِ
وجاء في كتاب الكفاف ليوسف الصيداوي (ص500) قوله «يعربان على حسب موقعهما من العبارة: فاعلًا أو مفعولًا أو توكيدًا»، وإن أخذ هذا على ظاهره ظُنّ أنهما يستعملان توكيدًا مضافين إلى الظاهر، فيقال: جاء الرجلان كلا الرجلين، كما يقال: جاء الرجلان كلاهما، ولكن عباس حسن في النحو الوافي (1: 121) قال «فلو أضيفت كلا أو كلتا لاسم ظاهر لم تعرب كالمثنى، ولم تكن للتوكيد»، ولكن هل يكونان صفتين، الحقّ إنّي لم أجد نحو (جاء الرجلان كلا الرجلين)، غير أنّ سيبويه ذكر في الكتاب(2: 12) استعمال (كل) مضافة للظاهر صفة قال «ومن الصفة أنت الرجل كل الرجل ومررت بالرجل كل الرجل ... ومثل ذلك قولك هذا العالم حق العالم وهذا العالم كل العالم، إنما أراد أنه مستحق للمبالغة في العلم، فإذا قال هذا العالم جد العالم فإنما يريد [معنى] هذا عالم جدًا أي [هذا] قد بلغ الغاية في العلم، فجرى هذا الباب في الألف واللام مجراه في النكرة إذا قلت: هذا رجلٌ كل رجل، وهذا عالمٌ حق عالم، وهذا عالمٌ جد عالم، ويدلك على أنه لا يريد أن يُثَبِّتَ بقوله (كل الرجل) الأوّلَ أنه لو قال: هذا كل الرجل كان مستغنيًا به؛ ولكنه ذكر الرجل توكيدًا، كقولك هذا رجل رجل صالح، ولم يرد أن يبين بقوله (كل الرجل) ما قبله كما يبين زيدًا إذا خاف أن يلتبس، فلم يرد ذلك بالألف واللام وإنما هذا ثناء يحضرك عند ذكرك إيّاه».
ولعل نصّ سيبويه واضح في بيان أن (كل الرجل) أو (كل رجل) سيق لتأكيد الاتصاف بمضمون ما أضيفت إليه (كل)، ولعل (كلا الرجلين) يجري مجراها في دلالته، وإن لم نصادف له استعمالًا، فنحن نقيسه قياسًا، والذي نطمئن إليه هو أن قولنا (جاء الرجلان كلاهما) هو في الأصل (جاء الرجلان كلا الرجلين) ولكن استغني عن الاسم الظاهر لتقدمه. وهو من وضع الظاهر في موضع المضمر، قال الرضي (شرح الكافية، 1: 241) «وأما وضع الظاهر مقام الضمير، فإن كان في معرض التفخيم جاز قياسا كقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ}[الحاقة1-2]، أي: ما هي»، والذي ننتهي إليه أنك تؤكد بقولك: جاء الرجلان كلا الرجلين كما تؤكد بقولك: جاء الرجلان كلاهما، ثمّ إنّي أرى أنّ من الأَولى أن يُعدّ ما يسمى بالتوكيد المعنويّ بدلًا توكيديًّا، أما التوكيد المحض فلا يكون إلا بتكرار اللفظ.