Culture Magazine Saturday  21/09/2013 G Issue 412
الملف
السبت 15 ,ذو القعدة 1434   العدد  412
 
في عهده تحولت صحافة الأفراد إلى مؤسسات
عزت مفتي

 

لقد ملأني شعور جم بالسرور وأنا أتلقى دعوة الزميل العزيز والصحافي العريق الأخ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة - ممثلاً في الأستاذ صالح الخزمري للمشاركة مع نخبة من الكتاب والإعلاميين في الإعداد للملف الاحتفالي بمعالي الشيخ جميل الحجيلان وزير الإعلام والسفير السابق بالمملكة، ليتم من خلاله تسليط الضوء على ما قدمه معاليه من خدمات جليلة للوطن خلال عمله في وزارة الإعلام وإسهاماته البارزة في المجال السياسي من خلال عمله في السلك الدبلوماسي وتسنمه منصب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولقد سررت بداية بهذه السانحة من جريدة الجزيرة بمبادرتها المشكورة إلى تكريم رجل من رجالات المملكة المرموقين بما هو جدير به من التقدير والتكريم ولما أعطى لبلاده ولا زال يعطي من جهده إيماناً بالواجب ووفاء للوطن وأنا أذكر عن قرب مساهمة معاليه قبل عام تقريباً في تلبية دعوة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو للمشاركة مع نخبة من رجال القانون والسياسة في العالم الإسلامي كممثل للمملكة العربية السعودية لدراسة وتعديل ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي بما يواكب التطورات السياسية والاجتماعية التي حدثت في العالمين العربي والإسلامي.

منذ نشأة المنظمة وكان لمعاليه الدور البناء في المشاركة مع زملائه من خبراء العالم الإسلامي، وإخراج الميثاق المعدل في صيغته العصرية المعتمدة الآن من كافة الدول الإسلامية.

ولقد سررت بهذه البادرة لعدة أسباب أولها: ما يتمتع به الشيخ الحجيلان من مكانة مرموقة كأديب ومفكر ودبلوماسي محترف غني عن التعريف فضلاً عن كونه أول وزير للإعلام أعطى الكثير من جهده وعصارة أفكاره، خلال فترة عمله بالوزارة التي دامت لمدة ثماني سنوات كانت زاخرة بالبناء والعطاء والتطوير لهذا الجهاز الناشيء حتى أضحى كياناً يشار إليه بالبنان.

وإني إذ أعبر عن امتناني لهذه اللفتة من الأخ والزميل خالد المالك على هذه المبادرة التي ستحسب له ولجريدته في تكريم المجيدين من وزرائنا وعلمائنا الأكارم وغيرهم ممن قدموا خدمات جليلة لوطنهم ولمواطنيهم فإني أتمنى على كافة زملائنا في الصحافة المحلية والوسائل الإعلامية إذا ما أرادوا أن نكرس الأعمال الجليلة للوطن ألا ندخر وسعاً في المسارعة إلى مثل هذه المبادرات للتعبير بالتقدير لكل من يقدم خدمات جليلة للوطن ليكون ذلك هو النبراس الذي نهتدي به والمثل العليا التي نقتفي أثرها على الدوام، وسررت مرة أخرى لهذه الدعوة للمشاركة في هذا التكريم باعتباري أحد الذين كان لهم شرف العمل تحت إدارة معالي الشيخ جميل الحجيلان منذ الأيام الأولى لتولي معاليه منصب الوزارة كمدير عام للإعلام الخارجي وما أعادت لي هذه المناسبة الكثير من الذكريات الغنية بالمعاني السامية يوم التحاقي بهذا الجهاز الذي كان يعج بالحركة والتعدد والتنوع والإيقاع السريع في العمل الذي لا يعرف الكلل ولا الملل، وتعرفت يومها على نخبة متميزة من رجال الإعلام الذين أعتز بمعرفتهم بما كانت تتحلى به تلك النخبة من مثل وقيم للزمالة الحقيقية، وكنت أتابع يومها ما كانت تزاوله تلك النخبة في كافة القطاعات مشتركة من نشاط مثير يستغرق معظم ساعات النهار وبعضها من ساعات الليل في منظومة إدارية نادرة وعلاقة أخلاقية مرموقة كان لشخص معالي الشيخ جميل الحجيلان الفضل في صياغة إطارها ورسم الخطوط المثلى لمسيرتها في النهج الصحيح انسجاماً مع المثل الرفيعة التي كانت يتحلى بها تلك النخبة من الزملاء الذين كنت أتمنى أن أذكرهم بالاسم فرداً فرداً لولا أن المجال يضيق لحصرهم، ويكفيني القول بأني لا زلت وسأظل أذكر بالفضل لكل واحد منهم رئيساً أو زميلاً، وأكن لكل واحد منهم المودة والعرفان، بل وأحرص على التواصل معهم ما استطعت حتى اليوم.

المحطات الهامة في نشأة وزارة الإعلام

وبعد هذه الديباجة التي أرجو ألا أكون قد أسهبت في سردها بعض الشيء بما اقتضاه المجال فإنه يجدر بنا إذا ما أردنا أن نجذر للأساليب والبدايات والدوافع لنشأة وزارة الإعلام في حقبة كانت غاية في الأهمية في تاريخ المملكة العربية السعودية بقيادة جلالة الملك فيصل- رحمه الله-، وأن نضع الأمور في نصابها حسب أهميتها وبواعثها وتسلسلها التاريخي بما ينسجم مع أهمية المرافق الذي نتحدث عنه والثقة الغالية التي أوليت لشخص معالي الشيخ جميل الحجيلان من الملك فيصل لتحقيق الهدف من إنشاء وزارة للإعلام آنذاك فإنه يجدر بنا أن نذكر بالفضل لراعي نهضة المملكة العربية السعودية الحديثة على يد جلالة الملك فيصل- رحمه الله- الذي رأى بثاقب نظره وعمق حكمته في تلك الحقبة من الزمن وهو يراقب ويتابع من حوله ما كان يعتمل العالم العربي والإسلامي من اضطرابات وفرقة ومشاكل هنا وهناك وهو يسعى ويفكر في رسم الخطوط العريضة لنهضة المملكة، رأى جلالته آنذاك من أنه لا مناص من المبادرة إلى إنشاء جهاز إعلامي متطور للإعلام يرقى إلى مستوى مركز المملكة الديني والسياسي وممثلاً في إنشاء وزارة للإعلام تكون بديلاً لما كان يعرف بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر لتواكب بقوة وفعالية وآليات عصرية الأوضاع التي كانت تسود العالم العربي والإسلامي على السواء على مختلف الأصعدة الإيديولوجية والسياسية في ذلك الوقت.

وهكذا وفي عام 1382هـ صدر الأمر السامي الكريم من جلالة الملك فيصل يرحمه الله بإنشاء وزارة للإعلام وتعيين معالي الشيخ الجميل الحجيلان وزيراً للإعلام وكان لهذا التعيين وهذا الاختيار من الملك فيصل لمعاليه مدلوله الواضح بما يتمتع به معاليه من دراية واسعة وكفاءة عالية وشخصية قادرة على تحقق الأهداف التي كان يرمي لها الملك فيصل يرحمه الله آنذاك من إنشاء هذا الجهاز.

الإنجازات

وكان أول المنجزات لمعاليه تنفيذاً للأمر السامي الكريم وترجمة للأهداف المتوخاة من إنشاء الوزارة إلى واقع ملموس هو التخطيط لإنشاء محطة للتلفزيون بالمملكة في قناتين بدأت الأولى منهما بثها من الرياض كما بدأت القناة الثانية بثها من جدة وتم ربط القناتين في بث واحد وتعميمهما على كافة المملكة وخارجها.

وهكذا كانت هذه المحطة هي المحطة الأولى في محطات الإنجاز لمعاليه في نشأة وزارة الإعلام التي كان يقف من خلف إنجازها خطوة بخطوة حتى النور وأصبحت حقيقة واقعة.

وأقيم حفل كبير بتدشينها من الملك فيصل يرحمه الله شخصياً آنذاك لتعكس للعالم ولأول مرة واقع المملكة في كافة مجلات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية.

أما المحطة الثانية لمحطات الإنشاء لوزارة الإعلام هو التخطيط لتنفيذ الأمر السامي الكريم لإنشاء وكالة للأنباء السعودية التي انطلقت بالعمل لتبث أخبار المملكة عبر أجهزتها الفنية وكادرها الوظيفي ومراسليها في الخارج والداخلي إلى شتى دول العالم.

وكانت المحطة الثالثة في مشاريع معاليه وفقاً لرؤية الملك فيصل- رحمه الله- في إقامة ونشأة وزارة الإعلام هي التخطيط لتطوير الصحافة المحلية في المملكة وتحويلها من الملكية الفردية للصحف على ما يعرف حالياً بالمؤسسات الصحافية، وفتح الباب للكتاب والصحافيين ورجال الأعمال للاكتتاب في رأس مال كل مؤسسة من هذه المؤسسات توسيعاً لقاعدة العمل الصحفي في المملكة وإثراء ساحات العمل لكافة القادرين على المساهمة في العمل الصحفي، وتنوعه في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأدبية والاجتماعية والرياضية مع الإبقاء على أسماء الصحف الفردية وإطلاق أسمائها على المؤسسات الصحافية العامة التي انبثقت عنها، وتعويض صاحب كل جريدة من صحف الملكية الفردية عن حقوقه الأساسية في الجريدة، وترك الخيار له في حرية الانضمام على عضوية المؤسسة التي انبثقت من جريدته.

وبذلك شهد التنفيذ الجذري لوضع الصحافة في المملكة نقلة هامة على يد معاليه في توسيع دائرة العمل الصحفي وتعدد أطره وأغراضه والارتقاء بأسلوب معالجة المواضيع والأهداف التي ترمي إليها المملكة بما يتفق مع تقاليدها ومبادئها ومثلها.

وهكذا كانت تلك المحطات من أهم الأعمال التي اضطلع معاليه بإنجازها وعمل في سبيل تطويرها بجهد دؤوب طيلة خدمة معاليه في الوزارة التي دامت لمدة ثماني سنوات كانت زاخرة بالحركة والنشاط في كافة مرافق الوزارة.. وبالرغم من كل ذلك فإن معاليه يردد دائماً وحتى اليوم القول بكل تواضع لمن شرفوا بالعمل معه: إن ما قمت به من إنجازات في وزارة الإعلام كان ثمرة جهد مشترك وما كان بوسعي أن اضطلع للقيام بكل هذه المنجزات بدونكم ولولا تعاونكم الذي كان يمثل دعماً حقيقياً لي في إنجاز ما توصلت إليه من نجاح بفضل من الله ثم بمؤازرتكم وتعاونكم.

ومن هذا المنطلق وبحكم معايشتي لمعاليه طيلة فترة عمله كأول وزير للإعلام بوسعي القول بأن شخصية معاليه على الرغم من أنها تتسم بالصرامة والحزم وهي سمة العزيمة والإرادة في الرجال فإنها الصرامة والحزم التي امتزجت بكم كبير من الشفافية والنظرة الثاقبة والخلق الرفيع بما كان لا يدع مجالاً لأي واحد من رعيل الوزارة في عهده إلا أن يكبر هذه الروح السامية لمعاليه والتجاوب العاجل مع تعليمات معاليه سيما وأن روح الحوار والنقاش مع معاليه كانت تنم عن قدر كبير من الرؤية الصائبة في الأسلوب وإيمان عميق بالعمل.

وهكذا وبعد فترة وجيزة من تولي معاليه رئاسة الوزارة عام 1382هـ استطاع معاليه بأسلوبه الرشيق وشخصيته المتميزة أن يبني علاقات متينة بينه وبين كافة من عملوا معه وتحت إدارته مساعدين وموظفين بوجه عام.

واستحوذ من خلالها على احترام وإكبار الجميع بدون استثناء خاصة وأن الجميع استشعر في نهج معاليه عمق المصداقية في الأسلوب وحجم العزيمة في العمل من أجل هدفين أساسيين: هي خدمة الوطن واحترام المواطن.

وهنا لا يسعني إلا أن أتقدم بمزيد من الاعتزاز والإكبار والتهنئة لمعاليه بهذا التكريم الذي صادف محله عرفاناً وتقديراً لجهوده البارزة وإخلاصه في خدمة الوطن.

والشكر موصول لأخي العزيز خالد المالك على هذه المبادرة، راجياً لمعالي ضيفنا الكريم مديد العمر لمواصلة العطاء خدمة للوطن.

- المدير للإعلام الخارجي بوزارة الإعلام سابقاً

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة