لم يكن المحررون وحدهم هم الشباب؛ فقد احتفت الثقافية بالشباب المبدع، وكان منهم - غيرَ من أشير إليهم في حلقات سابقة - الشاعرة «لطيفة قاري» في بداياتها، والشاعر «منصور الجهني» - من شعراء القصيدة الحديثة من الشباب - والروائية «ليلى الجهني» - قبل صدور أي رواية لها - والمتألق «الدكتور لاحقًا» عبد الله الناصر، وليس هو أستاذَنا «أبا عبدالعزيز» عضوَ مجلس الشورى حالياً، وامتاز «عبدالله» بكونه واحدًا منا وانتمائِه لجمعنا؛ فلم يكتفِ ببعث مقالاته بل كان يحضرها بنفسه، ويشاركنا بعض مناسباتنا الخاصة، ثم اختفى فجأةً؛ فلم نعد نعرف عنه شيئًا سوى أنه تفرغ لدراسة الطب وانشغل به، ولعله يقرؤنا اليوم فيعودَ لوصل الزمن المكافح ولو لم تكن ذكراه مورقة.
ولا يمضي حديث الكرسي دون أن يتوقف عند شخصيةٍ ثقافية بارزة نبغت مبكرًا ورحلت مبكرًا؛ وهي شخصيةُ حبيبنا الأستاذ «عبد العزيز مشري» 1954-2000 م - رحمه الله - الذي انتظم في الكتابة لثقافة الجزيرة خمسة أعوام، ونقل إليها زاويته العتيدة «تلويحة» بعد توقفه عن الكتابة في صحيفتين سبقتانا إليه، وكان الفضل في استكتابه لصديقنا المضيء الأستاذ «علي الدميني» الذي ما تزال الثقافية موئلَه الكتابيّ إضافةً إلى نشاطه الثريّ عبر منبره الإلكتروني الحر.
أوكل صاحبُكم أمر مقالات المشري للصديق «محمد الدبيسي» في مكتب المدينة المنورة، ولأن عبد العزيز -غفر الله له- ضعيفُ البصر ويبعث بزاويته عبر الفاكس فقد كان أبو يزيد يستقبلها ويراجعها معه ثم يعيد إرسالها، وقد أشار الدبيسي- في تقرير شخصي مكتوب- إلى ما كان يُذَكّره به صاحبُكم من تشديدٍ على الدقة ومحاذرة أي خطأٍ أو تصحيفٍ قد يمسّ الزاويةَ المهمة؛ ما قد يزعج الروائي الكبير، وقال الدبيسي: إن تعليمات صاحبكم كانت تؤكد على التجاوز عن تأخير موعد إرسال المقال عن الموعد المحدد، وهي أمورٌ أُنسيها لولا ذاكرة الدبيسي الفتية، وتسجيلُها «هنا» مهمٌ لقياسِ طبيعة العمل والتعامل بين القسم وكُتّابه.
لا جدل أن المشري كان إضافةً نوعيةً للعمل التحريري الثقافي في الجزيرة، وتزامن انتظامه مع بدء استعادتنا وضعَنا المعنويّ في الساحة الثقافية عام 1996م، ولا ننسى أن الراحل قد ظل وفيًّا معنا حتى توقف عن الكتابة ثم عن الحياة؛ رحمه الله
الذاكرة تستدعي والذكريات تتوالى، ومن أهمّها ما ارتبط بالشخوص الثقافية الرائدة التي عَرف كثيرًا منها خلال تحرير صفحته «قراءة في مكتبة»، لكنه لم يلتقِ بعدد آخرَ من كتاب الصفحات والملحقات الثقافية، أما عبد العزيز مشري فقد كان لقاؤه الشخصيّ الأوحدُ به صعبًا؛ إذ تم في غرفةٍ باردةٍ بالمستشفى التخصصي، ورغم ابتسامته وهدوئه ورضا ذاته فقد كان الألم أكبر من أن يُدارى، وشهد لقاؤه الأول به لقاءَه الأول «كذلك» بالشاعرة المبدعة والباحثة الأكاديمية الدكتورة فوزية أبو خالد رعاها الله، ثم ودع» السَّرَويَّ» دون أن يعلمَ أنه اللقاءُ الأخير.
النهايات قاسيةٌ حين يحضر الغياب ويغيب الحضور، ولكن الإيمان يشفي ويكفي؛ فليس منا إلا من وَدّع اليوم وسوف يُستودعُ غدًا، ويبقى الكرسيُّ قائمًا إذا شاء الله ليروي في السيرة التاليةِ مقابلاتٍ نادرةً مع بعض النادرين.
Ibrturkia@gmail.com :@abohtoon