Culture Magazine Thursday  05/01/2012 G Issue 359
ذاكرة
الخميس 11 ,صفر 1433   العدد  359
 
الرائد الأستاذ عبد الكريم الجهيمان
عبد الله بن سالم الحميد

 

الأستاذ عبد الكريم الجهيمان نموذج من الأعلام الذين أسهموا في صياغة نسيج الفكر والإبداع، وخدموا الوعي والثقافة والمجتمع عبر مشوار عمره المديد.

وجديرٌ بالتقدير والحضور كلُّ من بذل جُهدهُ ووقته في التنمية والتوعية والتفكير والابتكار بالحكمةِ والرأي والتعامل الحضاريِّ المشرق البناء.

* عبد الكريم بن عبد العزيز الجهيمان واحد من أولئك الأساتذة الرُّواد المُنتجين المتصلين في القراءة والكتابة وتجدُّدِ العطاء الأدبي الواعي.

* في العدد الأول من (مجلة الجزيرة) الصادر في شهر ذي القعدة من عام 1379هـ التي أصدرها الأستاذ الأديب عبد الله بن خميس، كان الأستاذُ عبد الكريم الجهيمان أحد أعمدة تلك المجلة حيث كان يكتب فيها، وقد نُشر له في هذا العدد مقالٌ بعنوان (لماذا تخلّف الشعر؟) تناول فيه أهمية حضور الشعر في نسيج المجتمع وكان من كتّابِ هذا العدد شخصياتٌ أدبيةٌ فذّة من أعلام الفكر والأدب والتاريخ منهم: الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ والشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ، والأستاذ أحمد بن إبراهيم الغزّاوي والأستاذ عبد القُدُّوس الأنصاري والأستاذ أحمد السّباعي والأستاذ أحمد جمال والأستاذ محمد عمر توفيق والأستاذ أحمد فرح عقيلان والأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأستاذ حمد الجاسر، والأستاذ فهد المارك.. والشيخ عثمان الصّالح.

* عُني الأستاذ عبد الكريم عبد العزيز الجُهيمان بالتراث الشعبي في الجزيرة العربية، وتناول هموم الإنسان وثقافته ووعيه، وضرورة الارتقاء باهتماماته.

*عندما أصدر شيخُنا الكبير حمد الجاسر صحيفة اليمامة الأسبوعية كان الجُهيمانُ في طليعة كُتّابها، وكان محورُ اهتمامه ينصبُّ غالباً على جانبين مهمين.

الأول: الجانبُ المتعلقُ بشئون الوطن وشُجونه واهتمامات المواطن وحقوقه وواجباته، مواقفه ورياداته الواجبة في ميدان الحياة، وتطلُّعاته إلى الأمام ليواكب الحضارة المنطلقة في العالم المتحضّر.

*.

وقد عُني الأستاذ عبد الكريم الجهيمان بأدبِ الطفل في صياغة القصصِ المناسبة للأطفال حيث أصدر سلسلة قصص تحت عنوان

(سلسلة مكتبة أشبال العرب) عام 1399هـ. وقد استفاد من رحلاته وتأمّلاته في التَّوجه إلى النشر والتأليف في زمن مبكر، حيث أصدرَ (عشرة أجزاء) من (الأمثال والأساطير الشعبية في زمن مبكر عام 1383هـ.

* وتقديراً لدور الأستاذ عبد الكريم الجهيمان في الحياة الثقافية والأدبية قام النادي الأدبيُّ بالرياض بتخصيص أمسية أدبية له في (إثنينية النادي) اشترك فيها عددٌ من الأساتذة والأدباء.. أدار تلك الندوة الدكتور سعد البازعي رئيس النادي الأدبي آنذاك وكان ذلك بتاريخ 21-7-1417هـ.

* وتناول الدكتور محمد بن عبد الله آل زُلفه - عضو مجلس الشورى التجربة الإبداعية لدى الأستاذ عبد الكريم الجهيمان في مقالةٍ كتبها بمناسبة صدور كتاب (أبي سهيل) بعنوان (رسائلٌ لها تاريخ) نشرت بجريدة الجزيرة في 6 رمضان 1418هـ استعرض فيها نشاطه الأدبي ومؤلفاته ذات الموضوعات المتنوعة فقال عنه: (عبد الكريم الجهيمان رائدٌ من روّاد الثقافة في المملكة. فارسٌ من فرسان الكلمة الواضحة الصريحة وباحثٌ ميَّز نفسه بطرقه لفنٍّ لم يطرقْهُ أحدٌ قبلَه ولا أعتقد أنّ أحداً طرقه غيره من بعده، وأعني بذل كتابه الذائع الصيت (أساطيرٌ شعبيةٌ من قلبِ جزيرة العرب).

* كما تناول الأستاذ الدكتور نذير العظمة تجربة أبي سهيل في الأدب الشعبي من خلال قراءة نقدية لكتابه (أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية).

* وأصدر الأستاذ ناصر بن محمد الحميدي مؤلفاً بعنوان (رحلةُ أبي سهيل) تضمنت قراءة في حياة الأديب عبد الكريم الجهيمان وأدبه، صدر عام 1413هـ وقدّم له الأستاذ فهد العريفي - رحمه الله.

* وللأسطورة في أدب الأستاذ عبد الكريم الجهيمان مساحةٌ ذات أهمية قصوى في ذاكرته ووجدانه نقرؤها في صياغة نسيج الحكايات في كتبه، وعن هذا التوجُّه يُحدثنا مدير إدارة النشر بمكتبة الملك فهد الوطنية الأستاذ عبد الله محمد حسين فيقول:

عبد الكريم الجهيمان ذاكرة الوطن، ذات المخزون الكبير الذي تراكم خلال 90 عاماً، هذه الذاكرة تمتاز بقدرة تلقائية على التداعي، فهو عندما يتذكر حكاية أو حادثة يتذكر معها كل ما يخدمها من مثل أو قول أو شعر من الشعر الشعبي أو الشعر الفصيح، مما يتميز به هذا الرجل فنُّ الإصغاء، حيث يمنح حضوره الذهني كلياً لمن يحدثه، لا يقاطع ولا تظهر عليه ملامح السأم أو نفاد الصبر، وأعتقد أن هذه القدرة إحدى الأسباب لثراء مخزون ذاكرته من الأمثال والحكايات التي ضمنها كتبه.

يقترن فن الإصغاء عند عبد الكريم أيضاً بديموقراطية الحوار عنده، فهو يحترم رأي محدثه، يعلن رأيه وموقفه صريحاً بهدوء ويترك لك الخيار أن تقبل أو لا تقبل. لم أره مرة يلجأ إلى الضجيج أو يستعين بشيخوخته في فرض رأيه، هذا ما يتعلق بذاكرته.

ويؤكد الأستاذ عبد الله الحسين على حضور الأسطورة في أعمال عبد الكريم الجهيمان فيقول:

*هذه الثروة تردُّ على ما يشاع بأن هذه المنطقة لم تعرف الأسطورة مثل سائر المناطق الأخرى حولها، وهنا لا بد أن نؤكد نقطة عن هذه الدعوى بأنه لم تعرف في الجزيرة من يعرف الأسطورة أو الحكاية الشعبية أو الخرافة خاصة أننا نعرف وادي الرافدين ووادي النيل وجنوب الجزيرة وشمالها كانت موطناً خصباً للأساطير والحكايات الخرافية، ويتعذر علينا أن نصدق من خلال هذا الموروث الذي جمعه عبد الكريم الجهيمان أن نؤكد من هذا المنطلق أنّ هذا الشعب الذي في وسط الجزيرة أيضاً امتلك كما امتلك غيره من الشعوب ثروتهم في الموروث الشعبي أو الأسطورة التي يؤكد وجودها ما جمعه عبد الكريم الجهيمان رغم أن الأسطورة في هذا المعنى قليلة جداً، أو كبقايا أسطورية مما جمعه عبد الكريم الجهيمان.

هنا نشير إلى أن عبد الكريم كان يعي أشياء متقدمة جداً في فهم الموروث الشعبي، فهو يرى أنها لا تقل قيمة عن التاريخ الموثق وأنها سواء كانت مثلاً أو حكاية كمصدر تاريخي ويستفاد منها في توثيق التاريخ وهذا الكلام يلتقي فيه مع «كلودليفي شتراوس» الذي يرى أن الحكاية والخرافة تاريخ غير موثق أو وثيقة غير مدونة. أيضاً لعبد الكريم نظرة في هذا الموضوع وهو أن الظروف المتشابهة تنتج حكاية مشابهة مستقلة عن الأخرى، وهذا هنا يؤكد أن شعب الجزيرة واجهتم ظروف كما واجهت الشعوب الأخرى، فبالتالي لابد أن يكون عندهم أسطورتهم وحكاياتهم كما نرى الآن مثلاً أن شعوب أستراليا قديماً امتلكت الحكاية المشابهة إلى الحكاية الموجودة عند شعب الهنود الحمر في الأمازون أو في شمال أمريكا وبالتالي هذه تؤكد استقلالية كل شعب ينتج إبداعه الخاص عندما تواجه مخيلته ظروف مشابهة.

وهذا يؤكد عكس ما يُقال أن مصدر الحكايات الهند وأنها هاجرت من الهند للعالم، أيضاً عبد الكريم الجهيمان لم ينف هجرة الحكاية، بل قال: إن كل منطقة ممكن أن تصدر إلى مناطق مجاورة، وهذا ما نرى أيضاً في حكاياته حيث نجد فيها آثار مناطق أخرى.

وأريد أن أؤكد أن قيمة هذا الموروث الذي كرس له الجهد وراح يجمع وسائله البسيطة لم يعتمد على مصادر مكتوبة قبله، بل من أفواه الناس ومن علاقاته المباشرة بهم، ولم يستفد من وسائل العصر من التسجيل والاتصال أو الفاكس بل جمعها بطرق الاتصال الشخصي وقدم هذا العمل الكبير الذي عادة تقوم به مؤسسات وهيئات مختصة.

*.(*)

* والأستاذ عبد الكريم الجهيمان من مواليد (غَسْله) إحدى قُرى الوشم بشقراء وقد تلقّى تعليمه الأوّل في «كُتّاب القرية» حتى ختم القرآن الكريم ثم انتقل مع والده إلى الرياض ليواصل تعليمه، حيث تلقى «مبادئ النحو» على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، وتعلّم « الفرائض» لدى الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم - رحمهم الله - ثم انتقل إلى مكة لتلقي العلم لدى مشايخ الحرم المكي الشريف، ثم التحق بالمعهد العلميِّ السعودي في مكة فنال شهادته بعد ثلاث سنوات من الدراسة، وكان ذلك سنة 1351هـ.

* عمل الأستاذ عبد الكريم الجهيمان في حقل التعليم بمكة المكرمة ثم الخرج ثم انتقل إلى الرياض للتعليم بمعهد الأنجال (معهد العاصمة النموذجي حالياً).

* وعمل أبو سهيل في الصحافة والنشر والكتابة، فقد كان يكتب القصة والشعر والمقالة والنقد الاجتماعي، وقد افتتح كتابه (دخان ولهب) بأبياتٍ شعريةٍ معبّرة عن فلسفته في الحياة تقول:

رسمٌ يُمثِّلُ جسمي في ظواهره

فليتَ ما كان مستوراً بدا علناً

ففي فؤادي من الأيّام مختبرٌ

ويُغفلُ الرُّوح لم يرسم لها أثرا

وليت ما كان يبدو عاد مستترا

إن شئَتهُ عجراً.. أو شئتهُ بَجَرا

* ولا أنسى عند إعداد حلقة من برنامج (رجال في الذاكرة) عن الرائد عبد الكريم الجهيمان حديث القاص الراوي الأستاذ عبد العزيز بن صالح المشري أحدُ المعجبين بشخصية أبي سهيل وطموحه ومواهبه المتنوِّعة الذي يتحدثُ عن هواجسه نحوه ورأيهُ في هذه الشخصية الفذّة من خلال قراءاته له ومتابعته فيقول:

*الأستاذ عبد الكريم الجهيمان نخلة باسقة في هذا الوطن، ولا يمكن أن نعتبرها مجردة من أي محتوى مثمر، فهي مثمرة بكل ما فيها، لقد استطاع عبر الزمان وهو أبٌ كبير لنا جميعاً أن يكتب كثيراً في مسائل الأمثال الشعبية أو الموروث الشعبي الشفهي، يمكن هو الوحيد في المملكة الذي استطاع أن يسجل هذه الأشياء وجديرٌ أن يكون له الاحترام حول هذه المسألة التي لم ننتبه لها في إبداعاتنا وكتاباتنا إلا فيما بعد.

وكتابهُ المشهور «الأمثال من قلب الجزيرة» هو عبارة عن عشرة مجلدات تقريباً يكاد يحوي الكثير من الأشياء التي لم يسجلها أحد غيره، وأعتقد أن هذا دور غير عادي لأنه ما لم ينتبه لهذه الأشياء فسوف تندثر مع الزمن، مع التحولات الحاصلة التي نحن مع الزمن نسيناها للأسف وبدأنا بشكل أو آخر تأخذنا الحياة نحو إيقاع آخر الذي هو الإيجاد بشكل مجاني وأتوماتيكي من الحياة الشعبية، وهي لم تأت من الفراغ، بل أتت عقب تراكم زمني طويل وتغييرات اجتماعية طويلة فاتجهنا نحو الاستهلاك، فهذا إيقاع الحياة التي نعيشها الآن. وهو مرجع ليس سهلاً كتبه.

*.

وينبغي أن نقدّر كثيراً ما قدّمه الأستاذ الأديب محمد القشعمي من جهود رائعة تمثّلت في ملازمته اللصيقة للرائد الأستاذ عبد الكريم الجهيمان سنوات عديدة، صحبه خلالها في السفر إلى مناطق شتّى، واستقطب عدداً من المؤسسات الثقافية لتكريمه، وهذا ما حدث، حيث كرمه مركز ابن صالح الثقافي في عنيزة ونادي شقراء وإثنينية عبد المقصود خوجه، وهو بحق جدير بالتكريم والتقدير والوفاء.

هذه شهادات نخبة من الذين عشقوا النسيج الإبداعي للرائد المبدع الأستاذ عبد الكريم الجهيمان تعبّر عن حضوره الأثير في الحياة الأدبية وفي وجدان الأدباء الذين يتفقون على مكانة الرجل وتقدير معاناته وعطائه الجديرين بالاحترام والتقدير.

الرياض a.s.alhumied@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة