أوقف علاقته المباشرة بصفحة « قراءة في مكتبة « وإن ظلت تحت خيمة الأدب والثقافة التي يتولى تحريرها، لكنه لم يتوقف عن اللقاءات مع بعض الرموز الثقافية المهمة، ويذكر لقاءه بالأستاذ محمد حسين زيدان والشاعر مقبل العيسى والدكتور حسن صعب -رحمهم الله - وآخرين، مثلما يعتز بتخصصه - في سنوات عمله الأولى - بالالتقاء الدوري مع الشيخ عبدالله بن خميس - غفر الله له - ويذكر أنه كان يقابله في منزله ويجلس معه في فناء البيت حيث كان الشيخ يفضل الجلوس في أصائل الأيام، أو في « عمورية « حين لم يكن بها سوى خيمة فوق مرتفع، وكانت تبعد عن الطريق المزفت كثيرًا، ورافق أول مرة- للتعرف عليها- ابن أخت الشيخ أستاذَه وصديقه راشد الفهد الراشد - حفظه الله -، وكان مجلس الشيخ موحيًا بالجمال والجلال؛ فالهدوء والصفاء ومرأى الشمس والصحراء بواعثُ لاستعادة تاريخ يحكي ولا نسمعه، وكان يتمتم مع أمل دنقل ببعض ما يحفظه من نصه المدهش «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»:
أسائل الركَّع والسجودا
أسائل القيودا
«ما للجمال مشيُها وئيدا
أيتها العَّرافة المقدسة
ماذا تفيد الكلمات البائسة
قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ
فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار
قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار
فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار
وحين فوجئوا بحدِّ السيف: قايضوا بنا
والتمسوا النجاةَ والفرار
ونحن جرحى القلبِ
جرحى الروحِ والفم
لم يبقَ إلا الموتُ
والحطامُ
والدمارْ
كانت الرسائل الواردة من القراء تملأ مكتبه في الجريدة، ولم تكن لها مساحة ثابتة تحتويها، واستعاد زاوية جميلة في «الجزيرة» كان يقرؤها في «المغترب الأميركي» واسمها: «مساحة للركض»، وكان يحدث نفسه أن لو كتب يومًا فسيختارها، وهاهو يتذكرها؛ فلم لا يعيدها ولا يقصرها على كبار الكتاب والمبدعين من الشباب كما كانت إذ الوقت مواتٍ لزاوية تهتم بالنشء الصاعد، كما هو دأب كل الصحف، بل كما دأب الجزيرة ذاتها في صفحات الأدب السابقة ومن خلال صفحتين أسبوعيتين قدمتهما تحت مسمى « «استراحة الأسبوع»، وإن لم تخنه الذاكرة فقد كان موعد صدورهما المنتظم يوم الخميس.
لم يشأ أن يقدم صفحة تقليدية يملؤها بالخواطر والنصوص كيفما اتفق، وفكر في مصاحبتها بقراءة نقديةٍ غير مجاملة من أحد المتخصصين، ووجد بغيته لدى الشاعر والباحث الأستاذ صالح بن إبراهيم العوض، ورغم أنه من سكان «الرس» فقد كان البريد العادي وسيطهما، واتفقا على بدء التنفيذ، واشترط «أبو بدر» أن يتم ذلك تحت اسم مستعار كي يكون حرًا في نقده لا يجامل ولا يهادن ؛ وكذا كان؛ فقد قدم «صياد الفوارس» نقدًا منهجيًّا وموضوعيًّا، وفي بعضه قسوةٌ لاذعة جعلت بعض المبتدئين يتهيبون وضعهم تحت مشرطه الجارح، لكنه - في المقابل - استطاع فرز الأسماء المتميزة التي رأى فيها بوادرَ نتاجٍ مختلف.
اختار الأستاذ العوض لقب «صياد الفوارس» استهداءً بلقب فارس تميمي شهير اسمه: عتيبة بن الحارث ابن شهاب اليربوعي التميمي، ويلقب «سم الفرسان» أيضًا، ولذا لم يجئ اختيار الاسم عفويًّا، مثلما لم يستسلم أبو بدر لمنتقدي صراحته وحدة ملاحظاته.
اختار للصفحة اسم «العطاءات الواعدة»، على نمط «الأقلام الواعدة والجديدة» وما في مدارها، وكان موعد صدورها يوم الجمعة من كل أسبوع في رحلة طويلة حتى فاجأه صياد الفوارس بما أقلقه؛ وتلك حكاية أخرى.