تقديم المترجم: هذه ترجمة لمقالة طريفة عن معركة الذكاء الجندرية نقلا عن صحيفة الأوبزيرفر البريطانية.
تمهيد الصحيفة: إنها معركة الجندر مرة أخرى: من الأذكى؟ بينما يدعي جورنال علمي محترم، أن الرجال أذكى، يثب جورنال محترم آخر ليعترض ويطلب رمي نتائج الجورنال الأول في القمامة. روبن ماكي يكتب عن معركة ملاكمة من دون قفازات.
لقد كانت واحدة من أسخن قصص الصيف؛ ففي أغسطس، أعلن اثنان من الأكاديميين البريطانيين أن الرجال أذكى بكثير من النساء، وأن طلاب الجامعات الذكور يتفوقون على زميلاتهم الإناث بخمس نقاط على مقياس «حاصل الذكاء» IQ (تعليق المترجم: يمكن تعريف حاصل الذكاء IQ بأنه رقم مشتق إحصائياً من النقاط المستنتجة من مجموعة اختبارات لقياس الذكاء، التي من خلالها تعرف درجة الذكاء بشكل تقريبي. قام بابتكاره العالمان الفرنسيان ألفريد بينيه وتيودور سيمون عام 1905. وتعتبر درجة الذكاء المتوسطة في حدود 80-115، بينما تكون العبقرية في حدود 135-165. وكلما ازدادت النتيجة اعتُبر الشخص عبقرياً، وكلما قلت اعتُبر غبياً. وقد أجرى آينشتين هذا الاختبار وحصل على 200 درجة. انتهى تعليق المترجم)
وادعت عناوين البحث أن «الفتيات تحتجن إلى طاقة إضافية» وأن «اختبارات الذكاء تثبت ذلك ولكن المرأة لا تقتنع بذلك».
وكان الإعلان عن تلك النتائج أحدث جولة في معركة ذكاء جندرية أصبحت تهيمن على حقل علم النفس في السنوات الأخيرة، وأثارت جدلاً هائلاً داخل أماكن العمل في المؤسسات والشركات والحكومة وغيرها، إضافة إلى شجارات عائلية وزوجية كبيرة على مر السنين. وفي حالة هذا البحث الحديث يبدو أن الطبيعة الشاملة (بل المرعبة) للإحصاءات التي استخدمها مؤلفا تلك الدراسة البروفيسور بول إيروينغ (أستاذ علم النفس الصناعي في جامعة مانشستر، إنكلترا) والبروفيسور ريتشارد لين (أستاذ علم النفس في جامعة ألستر، إيرلندا) قد سببت كارثة ضخمة إلى حد ما لمعسكر «النساء أذكى».
وقال كاتب في صحيفة «الصن» متهكماً: «هذا يؤكد صحة ما كنا نهمس به منذ فترة طويلة: الكائن البشري الذكر أذكى من الأنثى. إنها نتيجة بدهية لا تحتاج إلى عناء التفكير»!!!
ولكن الأمر لم يعد كذلك؛ ففي الأسبوع الماضي، استنكر بشراسة مذهلة الجورنال العلمي الرصين نيتشر Nature ، تلك النتيجة التي أعلنها الأكاديميان البريطانيان الاثنين بعدما نشرا رسمياً لأول مرة تفاصيل بحثهما في «مجلة علم النفس البريطانية».
ذلك الهجوم الذي وصف بحث الثنائي إيروينغ ولين ب «المعيب جدا» يعتبر أمراً غير مألوفا؛ فمن النادر جداً أن تقوم المجلات العلمية بمهاجمة الدراسات الذي يجري نشرها في مجلة منافسة في الوقت نفسه. كما إنها لا تستخدم في كثير من الأحيان عبارات قوية أو قاسية. النهج المتبع في مثل هذه الحالة هو الرد المتأخر والموزون بحسب العرف السائد في الأوساط العلمية.
وبالرغم من ذلك «العرف»، تصر مجلة نيتشر، أن هناك ما يبرر طبيعة نهجها الهجومي الشرس، لأن الفروقات المفترضة في معدل «حاصل الذكاء» بين الجنسين تجذب اهتماماً واسعاً ومن المحتمل أن يُستشهد بها على نطاق واسع. وقال تيم لينكولن من قسم الأخبار والآراء في مجلة نيتشر «علمنا سلفاً أن نتائج دراسة إيروينغ ولين اعتمدت على منهج وأسلوب بحثي معيب على نحو خطير، وأتيحت لنا الفرصة لتقديم رأي خبير في الوقت المناسب عندما نشرت دراستهم وأصبحت متاحة للجمهور».
وكان كاتب مقالة مجلة «نيتشر» والخبير في حقل «حاصل الذكاء» البروفيسور ستيف بلينكهورن أكثر حدة وقسوة في النقد (عندما تحدثنا معه) حيث قال: «نتائج دراستهما التي تدعي وجود فروق كبيرة بين الجنسين في اختبار حاصل الذكاء، هي ببساطة هراء تافه». دراسة الثنائي د. إيروينغ، من جامعة مانشستر، ود. لين الأكاديمي من جامعة ألستر (والذي ادعى في وقت سابق أن الناس البيض أذكى من السود) اعتمدت على تقنية بحثية تعرف باسم «ميتا أناليسيس» Meta-Analysis التي تعني دراسة وتحليل نتائج دراسات «قديمة» بهدف عمل استنتاجات جديدة أكثر شمولية وموثوقية وعمقاً. الثنائي إيروينغ ولين، فحصا نتائج عشرات الدراسات السابقة عن اختبارات حاصل الذكاء للرجل والمرأة التي أجريت في بلدان مختلفة بما في ذلك مصر وبلجيكا وأستراليا والولايات المتحدة بين الأعوام 1964 و2004، ونشرت في مجموعة متنوعة ومختلفة من المجلات العلمية. ثم قاما بعمل دراسات تحليلية إحصائية مكثفة على نتائج تلك الدراسات السابقة للوصول إلى نتائج جديدة.
ومن هنا، وجد الثنائي أن عملهما أظهر أن الرجال يفوقون النساء بأعداد متزايدة مع ارتفاع مستويات حاصل الذكاء. ووفقا للثنائي إيروينغ ولين، فإن عدد الرجال يبلغ ضعف عدد النساء من الذين يسجلون حاصل ذكاء يزيد على 125 (وهو مستوى ذكاء نموذجي للأشخاص الذين يحملون شهادات تعليم رفيعة المستوى)؛ بينما عند حاصل الذكاء الذي يزيد على 155 (وهو مستوى العباقرة) هناك 5.5 رجل لكل امرأة.
وكان الإعلان عن تلك النتيجة مذهلاً لأنه تم في وقت سابق القبول أن هناك اختلافات طفيفة جداً بين حاصل ذكاء الذكور والإناث بحيث لا تبرر عمل استنتاج صلب عن الجنس الأذكى. معظم الأبحاث في موضوع اختلاف الذكاء بين الجنسين ركزت على جوانب أخرى من نشاط المخ.
وقد جادل مؤخراً البروفيسور سيمون بارون كوهين، وهو عالم نفس في جامعة كامبريدج، أن مستويات هرمون التستوستيرون في الرحم تحدد مقدار اتصال العيون Eye Contact للطفل أو سرعة تطوير لغته. وبالتالي المزيد من الذكور الحديثي الولادة ينظرون مدة أطول إلى الأشياء، أما الفتيات الوليدات فهن أكثر نظراً إلى الوجوه.
وعلى النقيض من ذلك، يقول البروفيسور ستيف جونز المتخصص في علم الوراثة في جامعة «يونيفرسيتي كولج لندن»، ومؤلف كتاب «واي (Y): سقوط الرجال» إنه «ليس هناك إجماع مطلق في الآراء وفي العلم، وهذا لا يعني عدم وجود فروق بين أدمغة الجنسين، ولكن يجب علينا الحرص على عدم المبالغة فيها».
وبالرغم من ذلك، لم تكن طبيعة النتائج غير طبيعية فحسب، ولكن أسلوبهما في النشر كان غير معتاد؛ فلم يعرضا ويقدما نتائج البحث لزملائهما الأكاديميين فوراً، بل بدلاً من ذلك، قدماه لصحافيين قبل شهرين من تاريخ النشر المقرر في «المجلة البريطانية لعلم النفس». وعند التأمل بأثر رجعي، قد يبدو ذلك الأسلوب أمراً غريباً كما قال إيروينغ لصحيفة الأوبزيرفر. ولذلك، كانت هذه أول فرصة لزملائهما الأكاديميين لإجراء التقييم والرد على عملها.
بعد نشر تقارير عن دراستهما في الصحف، ظهر إيروينغ ولين في العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية المختلفة. وبشكل عام، تلقيا ردود فعل كانت إلى حد ما غير قاسية، وفي قليل من الأحيان اضطرا للدفاع بقوة عن ادعاءاتهما. وعند نقطة محددة، ادعى لين أن الرجال أكثر ذكاء ببساطة لأن حجم عقولهم أكبر، وقال إن الفتيات الآن تتفوقن على الأولاد في المدرسة بسبب إدراج مناهج أكثر ملاءمة لطبيعة الإناث.
ولكن مع ذلك، سبب نشر مقالة بلينكهورن الأسبوع الماضي في نيتشر، تغييراً كبيراً في المواقف لإدعاءات الثنائي إيروينغ ولين؛ فقد أشارت إلى عدد من العيوب الخطيرة في النهج البحثي المتبع من قبل الثنائي. وكبداية، يتهم بلينكهورن الثنائي بالقيام بعملية اختيار غير محايدة لدراسات «حاصل ذكاء» بعينها لكي تعزز الهدف المطلوب في تحليلهم للنتائج عبر أسلوب «الميتا أناليسيس» الذي استخدماه كما سلف.
على وجه الخصوص، يقول إنهما تجاهلا دراسة ضخمة أجريت في المكسيك، التي أظهرت وجود اختلاف بسيط جداً في حاصل الذكاء بين الرجل والمرأة. لقد قالا إنها «شاذة» من حيث معلوماتها، وبعبارة أخرى «عجيبة إحصائياً» كما قال بلينكهورن.
«ولكنها لم تكن كذلك. بل كانت نتائجها ببساطة غير مريحة لهما، ولو أن نتائجها أدرجت في بحثهما، كما كان ينبغي أن يكون الأمر، لكانت أزالت جزءاً كبيراً من اختلافات حاصل الذكاء التي يدعيان أنهما لاحظاها».
إضافة إلى ذلك، قال بلينكهورن: «إن الثنائي تجاهلا مجموعة كبيرة من الأبحاث التي لم تجد أية اختلافات في حاصل الذكاء. وأضاف بلينكهورن: إن «علماء النفس كثيراً ما يجرون دراسات لا ينتج منها فروق بين حاصل ذكاء الرجل والمرأة ولكنهم لا ينشرونها لسبب بسيط هو أن عدم وجود فروقات لا يعتبر أمراً مثيراً يستحق الإعلان عنه». ولكن عليك أيضاً أن تأخذ هذه الدراسات في الاعتبار بمثل الدراسات التي تجد اختلافات. لكن الثنائي إيروينغ ولين لم يفعلا ذلك وهذا ما يجعل نتائج بحثهما غير مستقيمة بل منحرفة ومعيبة.
بلينكهورن اتهم الثنائي أيضاً باستعمال مجموعة من «الخدع» الإحصائية التي يصفها في بحثه بالمعيبة والمشتبه فيها.
دافع الثنائي إيروينغ ولين عن بحثه الأسبوع الماضي واتهما بلينكهورن بمهاجمة الباحثين بصورة شخصية وليس البحث. وأضاف إيروينغ أن دراستهما يجب أن «ينظر إليها في سياق عملنا الأخر الذي أظهر فروقاً كبيرة بين الجنسين في حاصل الذكاء. وليس صحيحاً مطلقاً أننا تلاعبنا بمعلومات بحثنا».
من جانبه، بلينكهورن غير نادم على ما كتب وكما أشار في مجلة نيتشر إن «الفروق بين الجنسين في متوسط حاصل الذكاء إذا كانت موجودة بالفعل فهي صغيرة جداً بحيث تكون غير مثيرة للاهتمام».
إنه بيان صارخ ولا يقبل التأويل على الرغم من أنه بالتأكيد لن يكون الكلمة الأخيرة في نقاش يبدو من المرجح أن يسود مجال علم النفس لسنوات قادمة.
المصادمات في العلوم
هجوم مجلة نيتشر هو الأحدث في معارك حديثة اندلعت على صفحات مجلات علمية رائدة؛ ففي عام 1998، تسبب أندرو ويكفيلد Andrew Wakefield بضجة عندما نشر بحثاً في مجلة «لانسيت» Lancet، مدعياً وجود صلة بين مرض التوحد واللقاح الثلاثي MMR (لقاح الحصبة والنكاف والحميراء). وأدى البحث إلى مقاطعة اللقاح من قبل العديد من أولياء الأمور، على الرغم من أن العلماء لم يتمكنوا من إثبات أي من مزاعمه. ولذلك، هاجم النقاد مجلة «لانسيت» لنشرها البحث.
وانتقدت المجلة أيضاً من قبل آرون كلوغ، الحائز على جائزة نوبل، لنشر بحث ادعى أن الجهاز المناعي للفئران انهار بعد تغذيتها ببطاطا معدلة وراثياً؛ فهذه ادعاءات لم يتم إثباتها.
انتهى
كان هذا المقال هو الفصل الرابع عشر (من أصل 20 فصلا) من كتابي الجديد: «ضد النساء: نهاية الرجال وقضايا جندرية أخرى» الذي صدر في مطلع ديسمبر 2011.
قريبا: عرض مثير لكتاب «أشرطة صدام: أساليب عمل نظام استبدادي».
المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com