Culture Magazine Thursday  05/01/2012 G Issue 359
فضاءات
الخميس 11 ,صفر 1433   العدد  359
 
القيمة الغائبة
عبدالله السعوي

 

لا يخفى على الراصد للحراك العام ما تمر به الساحة في الشبكة العنكبوتية من مناخات مفعمة بمغذيات التشظي وتلون فنون الانقسام الشأن الذي آل إلى خفوت التلاحم وضمور العقلنة وغياب قيمة الحوار وبصورة أفضت إلى مصادرة الموضوعية كمنهجية بات يجري اضطرارها إلى الاقتعاد مكاناً قصياً، بل لم يعد لها معنى في جملة من الأطروحات التي فقدت كثيراً من التزاماتها الرسالية وتضاءل حظها من التقعيد المعرفي المحكم. إن التفاعل الحواري كتقليد ثقافي في منتهى التسامي هو الآلية الناجعة وخصوصاً حينما تجري عقلنة توظيفها، إذ عبرها يتم ترشيد الفعل الثقافي والترويج للأدبيات المحملة بدلالات القيم وتسويق الخصوصيات وعولمة محتوياتها.

للأداء الحواري المُمَنطق دور حيوي لافت إذ من شأنه وضع حد لاطراد المتتاليات المتنامية للتدافع الأيديولوجي وانتشار الصور النمطية القابلة للتناسل، وهو الذي يحجم منابع تغذية أشكال الإحن التي لا تقود إبان استفحالها واستحالتها إلى مصادر احترابية إلا إلى المزيد من قوالب التصفية المعنوية للمغاير ونفي كافة أشكال الوجود للمباين وبالتالي تضييق أفق الأنسنة بفعل سحق الإنسان ومصادرة حقه في الحياة وتحطيم خيارالتلون في الأطر الثقافية.

رفع وتيرة اللياقة الحوارية وتوليد حالة من التفاعل الجدلي الممنهج هو ما يساهم في تعميق الوعي ويجعل الساحة تعيش حالة رحبة من التسامح الثقافي الذي يقلل من فرص التجليات العنصرية ويفسح المجال لكافة وجوه المشترك الكلي كنقطة انطلاق لتشكل مبلورات التقارب بين الفرقاء. إن تعزيز الحس الحواري لا يعني بطبيعة الحال التنازل عن الأصول الفكرية التي تشكل طاقة محركة عظمى لتكوين الإنسان وإطلاق طاقاته المستكنة، ولا يعني تهميش الأسس الأخلاقية التي هي جزء من مكونات ذلك النموذج البشري الذي ظل الخطاب الديني وفي متباين حركة الزمن يشتغل على بنائها وتكوين مرتكزاتها، ولا يعني الحوار تجاهل الخطوط الفاصلة بين المتمايزين أو إلغاء عناصر التميز بين أفراد المتباين إن الحوار لا يعني كل ذلك بل يعني تلطيف التعاطي البيني وتقنين السلوك التعايشي وإعادة رسم صورة المغاير بدون رتوش ومعاينتها بموضوعية. حضور الحوار كقيمة مبجلة يعني توجه القوى والقيادات الفاعلة لصياغة سبل التواصل ومحو كافة العقابيل الحائلة دون إيجاد معطيات إنقاذية تحافظ على المعاني الأممية التي يتقاطع عليها أبناء الإنسان وخصوصا في ظل تلك الصيرورة التي تتخلق وبوتيرة عميقة التسارع.

بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة