ترجع بي الذاكرة إلى عام 2009 م، حيث تلقيت دعوة من صحفي أردني للمشاركة بطرح سؤال أو أكثر على المفكر المصري - حسب تعريفه - طارق حجي ضمن سلسلة حوارات تقوم بنشرها جريدة «العرب اليوم» الأردنية وفعلا تم نشره يوم الأحد الأول من نوفمبر 2009م، وقد كانت أسئلتي التي طرحتها على المفكر المصري هي (المفكر المصري طارق حجي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. هنالك رؤى كثيرة ومتعددة حول مفهوم المثقف ومفهوم الأديب.. ما مفهوم المثقف؟ وما مفهوم الأديب من وجهة نظركم؟ وهل لفظة (الثقافة) اليوم تختلف عن الأمس؟ وهل لفظة (الأديب) عصرية وآنية أم قديمة؟ وهل سوف تظل بنفس المفهوم مستقبلاً.؟
أجاب المفكر المصري طارق حجي:»... المثقف مصطلح حديث نسبيا. والكلمة (الثقافة) تأتي من فعل ثقف أي عدل. وكانت العرب تقول «ثقف الحديد» أي سوي وعدل اعوجاجه. وتعريفي الخاص للمثقف انه الإنسان الذي ألم بمعظم كلاسيكيات الإبداع الإنساني في العلوم الاجتماعية والإنسانية. وهذا التعريف لا يتحقق لمن نهل من معرف وإبداعات ثقافة معينة دون سائر الثقافات الإنسانية. فإذا كان ذلك كذلك، فالمثقف المتكامل التكوين هو من أحاط بكلاسيكيات الإبداع الإنساني وثمار العقول والقرائح الكبرى التي أفرزتها الحضارات: الإغريقية والرومانية والإسلامية وإفرازات عصر النهضة وحقبة الثورة الصناعية وما قبل وما بعد الثورة الفرنسية وإفرازات الحضارة الأوروبية الحديثة في معظم مجالات الأدب والفلسفة والتاريخ وعلوم الاجتماع والنفس وفنون الموسيقي والمسرح والفنون التشكيلية. ولما كان العرب المعاصرون قد تقاعسوا عن الترجمة الواسعة (كالتي قام بها اليابانيون خلال القرنين الماضيين) فإن العربي الذي لا يقرأ بلغة أوروبية حديثة يصعب أن يكون محصوله المعرفي متكاملا. أما الأديب فهو كل من ينتج آثارا مكتوبة بأحد أشكال الإبداع (الشعر... الرواية... القصة القصيرة... النثر الفني... إلخ). وإذاكانت لفظة المثقف حديثة، فإن لفظة الأديب قديمة. ولا يعني ذلك أن مفهوم المثقف حديث، وإنما تنسب الحداثة للفظة فقط. فما أكثر من تنطبق عليهم صفة المثقف الموسوعي في تراثنا دون وجود لفظة المثقف ذاتها، فرجال مثل ابن سينا والفارابي والتوحيدي والرازي والجاحظ وابن رشد (وغيرهم كثر) كانوا مثقفين موسوعيين يندر نظرائهم. أخيرا، فإن دلالة كلمة «الأديب» سوف تختلف من زمن لآخر باختلاف أشكال الإبداع. فمنذ ألف سنة لم تكن الرواية معروفة، واليوم فهي محور أساس من محاور الإبداع الأدبي »(انتهى كلام طارق حجي). الثقافة كما أفهمها مصطلح مرن ومطاط وله تشعبات واسعة، مصطلح مترامي الأطراف، ومتداخل في مفاهيمه، ورغم كل ذلك ومهما تباينت فيه المفاهيم والأطروحات، تبقى الثقافة هي ما ينعكس على ومن واقعنا سواء اليوم أو بالأمس أو غداً، فهي تتمثل في سلوكياتنا ومعارفنا وما بها من مفاهيم.. فهي في اللغة تعني المنطق وتعني الفطانة حسب المعجم الوسيط.. وأزيد بأنها نظرية سلوك، تخطط وتهندس وترسم طرق الحياة بكل أبعادها وتشعباتها، وارتفاعاتها وانخفاضاتها، وهنالك من يعرفها بأنها: جملة من المعارف والقيم قد تظهر في تصرفات وسلوكيات الناس.. وهنا وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات تقريباً على نشر هذا الحوار تعود لي نفس الأسئلة، كون مفردة (الثقافة) متجددة وقد تحوم في أوساط المجتمعات سواء النخبوية منها أو غير النخبوية، حيث يتباين شرحها وتفسيرها وتعريفها من حزمة من المثقفين وغيرهم، بالرغم من أنها تحمل جوهر واحد، وأنها هي (الثقافة)، وليس هنالك بديلاً عنها سوى ثقافة الثقافة.. بالطبع قبل أن تفهم (ثقافة الثقافة) يتحتم عليك أولاً وقبل كل شيء فهم الثقافة، ولا أظن هنالك من لا يفهمها، ولكن حسب رؤاه - أليس الثقافة مصطلح مرن..؟!! - وبالتالي ليس هنالك من لا يفهم الثقافة مهما كان بسيطاً؛ فالبساطة في الحياة هي أيضا نوع من الثقافة.. فلاتعقدوا الثقافة بمفاهيم بعيدة عن مفهومها البسيط والواضح والقريب من ثقافة الناس حولها. فهي منهم ولهم، وإن كانت متجددة.. ولعلي أتجاوز قليلاً أو كثيراً وأقول: (الثقافة) هي بنت المجتمع وأمه..!! وما كان تذكري لتلك الأسئلة إلا لمجرد اقتناعي أن الثقافة هي سلوكيات ومفاهيم ومعارف المجتمع نفسه مهما كانت متباينة أو متشابهة، ومهما كانت سطحية أو عميقة، وإنني أختلف وأتوافق مع المفكر المصري طارق حجي حول تعريفه للمثقف..
الأحساء
Albatran151@hotmail.com