Culture Magazine Thursday  05/01/2012 G Issue 359
فضاءات
الخميس 11 ,صفر 1433   العدد  359
 
(أفيون الأدباء)..!
فيصل علي أكرم

 

كنتُ أظنّ أن عدداً غير قليل من الأدباء الذين يكتبون في الصحافة الثقافية قد أصابهم الجفاف ووصلوا إلى حافة الإفلاس الفكري فلم يعد لديهم ما يقولونه في زواياهم وأعمدتهم سوى الحديث عن الأندية الأدبية وانتخاباتها أو وزارة الثقافة وقراراتها، لمجرد تسويد السطور وملء الفراغ، من أجل استمرارية حضور الاسم والصورة في مقالة منشورة!

أقولُ: كنتُ أظنّ، وبعض الظنّ إثم، وقد تبين لي الإثمُ في ظني شيئاً فشيئاً حينما اجتمعتُ بعدد من مثقفي وأدباء المملكة القادمين من مختلف المناطق إلى الرياض من أجل حضور (ملتقى المثقفين السعوديين) أو غيره من الفعاليات الكثيرة التي أقيمت في الرياض خلال الفترة القليلة الماضية، فكلما اتصل بي بعض الأصدقاء منهم لنلتقي في بهو الفندق الذي ينزلون فيه، أو غيره من الأماكن البعيدة عن الرسميات وجدتُ كل محاور الكلام والنقاشات التي كانت تطرح في تلك الجلسات الودية كانت تدور حول (انتخابات الأندية الأدبية) وما دار فيها وما نتج عنها، أو (تصريحات وزارة الثقافة والإعلام) وما وما وما..!!

يا الله.. كم كانت لقاءات الأصدقاء من الأدباء، قبل (بورصة) الانتخابات و (مؤشر) الوزارة، تتسم بتنوع الأحاديث وتزاحم الأفكار وشطحاتها المتجاوزة لكل ما يمكن أن يطرح عبر وسائل الإعلام. فما الذي حصر كل تلك الأفكار وما ينجم عنها من أحاديث فأفرغها وعبّأ مكانها بالدوران في فلك الأندية الأدبية ووزارة الثقافة ولا غير؟!

شخصتُ يميناً ويساراً، صافحتُ وصوفحتُ، حادثتُ وحودثتُ، بادرتُ وبودرتُ بحثاً عن أيّ موضوع من الممكن أن أخوض فيه مع بعضهم في أكثر من تجمّع واجتماع فلم أجد من معظمهم – الذي أعرف – غير التحوّل صوب (القضايا) التي تشغل كل تفكير الحضور (انتخابات الأندية) و (قرارات الوزارة وتصريحاتها)!

ولأنني لستُ من مساهمي (بورصة) انتخابات الأندية الأدبية، ولا من متابعي (مؤشر) الوزارة، فقد كنتُ أختصر وجودي بين أولئك الأحباب وأنسحبُ عائداً إلى بيتي والعالم الكبير جداً، لدرجة الخوف من ذلك (الأفيون) الذي أشغل عقول النخبة من مثقفينا وأدبائنا، وأعني (الانتخابات والقرارات والتصريحات) التي أكرر – متعمداً – ذكرها هنا، وأنا الذي لم أذكرها قط، ولم أكن أتصوّر أنني سأضطر لذكرها في مقال..

عدتُ للنظر والتأمل في ما يحدث من حولنا، فالتحولات في واقعنا العربي مذهلة، والكلمة المثقفة قفزت لتكون الفيصل بين اتجاهات مصيرية يعيشها العالم. ولم أفاجأ حين فتحتُ بريدي الإلكتروني ووجدتُ رسالة من الكاتب المصري المقيم في أمريكا (فرانسوا باسيلي) تحمل مقالة له بعنوان (الكاتب الذي أسقط رئيس وزراء مصر) فقد كنتُ متابعاً للحلقة التلفزيونية التي ضمت الروائي علاء الأسواني ورئيس وزراء مصر أحمد شفيق ضمن كوكبة من المثقفين والسياسيين المصريين في حوار نتج عنه في اليوم التالي قرار المجلس العسكري في مصر بإقالة رئيس الوزراء (أحمد شفيق) الذي عجز عن دفع التهم الموجهة إليه من الروائي علاء الأسواني، وكانت مقالة الأستاذ فرانسوا تفصّل المشهد بصياغة أدبية بليغة وتقارن بين ما حدث عام 1930 حين وقف الأديب المفكر عباس محمود العقاد في وجه سلطات بلاده، بمقالة (ثقافية) نشرها في صحيفة، فكانت النتيجة إيداعه في السجن لمدة تسعة أشهر؛ وبين وقفة الأديب الروائي علاء الأسواني في وجه رئيس وزراء بلاده أحمد شفيق ضمن محاورة تلفزيونية فأجبره على تقديم استقالة حكومته (الظرفية) عام 2011 نحن إذاً نعيش مرحلة تتجاوز كل ما سبقها من مراحل الحضور القويّ للأديب وكلمته، تلك الكلمة التي وصلت إلى ذروة قوتها على يد عباس العقاد (1889 – 1964) ثم تهاوت وحُجّمت وها هي تعود أقوى مما كانت عليه وتحقق ما عجزت عن تحقيقه سابقاً.. وعلى هذا القياس المقتبس من مصر، كمثال، نستطيع أن نستشعر دور الكلمة الأدبية في عصرنا الراهن، ونسقطه على عالمنا العربيّ كله. فصحيح أن الوضع في مصر مختلف لعدم وجود نظام شرعي يحكم البلد بشكل مستقر هذه الأثناء، ولكن لكل بلد ظروفها وللأدب والأدباء دور يجب أن يكون فاعلاً ومتنامياً لا أن يتقوقع باحثاً عن (مصالح شخصية) بين (انتخابات) أندية أو (تصريحات) وزارة..

لقد عاب بعضُ الأدباء – المنشغلين بالانتخابات – على الدكتور الناقد عبد الله الغذامي أنه كان يطالب بانتخابات الأندية الأدبية ثم حين قامت وانشغلوا هم بها تخلى عنها ولم يشترك معهم في الترشح لها (!) ولأول مرة أشعر بالإعجاب الحقيقيّ تجاه هذا الرجل (الغذّامي) فقد انصرف لأداء الدور الأمثل لمثقف شهير مثله فقدّم مبادرة لم يسبقه مثقفٌ إلى مثلها (مسكني) ويهدف بها المساهمة في إيجاد حلول لأزمة المساكن في بلادنا..

فالدكتور الغذامي إذاً مثال آخر حيّ من الأمثلة الحية القليلة للمثقف ودوره الطليعي في مجتمعه، ويجب أن نوجه لأنفسنا الآن سؤالاً: هل كراسي الأندية الأدبية أو وزارة الثقافة والإعلام هي أدوارنا الأدبية والثقافية؟!

حين يكون طموح الأدباء الجلوس على الكراسي الإدارية فنحن سننتج إدارة لا أدباً، وحين تكون الإدارة هي قمة السلالم الأدبية فلا أدب لدينا أبداً، وحين تسيطر على عقول الأدباء والمثقفين (انتخابات مجالس إدارات) أو (قرارات وتصريحات) فهي إذاً بمثابة (أفيون) للوسط الأدبي والثقافي ولا بركة فيه ولسنا بحاجة إليه!

أعرف أن لدينا عدداً من الأندية الأدبية – لا أعرف العدد بالضبط – وأنها تقوم بتوجيه دعوات لإقامة أمسيات شعرية وندوات ثقافية ومهرجانات، وأقدّر وأثمّن جهودها الإدارية والتنظيمية في ذلك وما يخصص لها من الدولة مادياً لتنفقه على مثل هذه الأنشطة والفعاليات التي تخدم الأدب والأدباء. كل هذا جيد، ونحييه ونباركه ونتعاون معه، ولكن: أين دور الأديب؟ هل هو داخل هذه الأندية أم خارجها؟ هل هو من يتلقى الدعوة لإحياء أمسية أو إلقاء محاضرة أو المشاركة في ندوة أم هو من يقدم تلك الدعوات؟ إذا كان الجواب أن دوره داخل الأندية وأنه هو من يقدم الدعوات فلمن سيقدّمها؟!

تصدّعت رؤوسنا من هذه (الانتخابات) الطارئة على هذه الأندية، ومن يدري فقد يكون لهذا الصداع حسنات (!) ففي إحدى حلقات (شارع الثقافة) أو (سوق الثقافة) وهو برنامج قصير أو فقرات يومية تقدمها قناة (الثقافية) السعودية، كانت المذيعة تتجول وتسأل المارة في سوق تجاري: (هل تقرأ الصحافة الثقافية)؟ فكانت الأجوبة كلها (لا) عدا إجابة واحدٍ من المتسوقين حين تميّز وقال: (أتابع فيها «هوشات» انتخابات الأندية الأدبية فقط)!

فهل هذا هو دورنا الأدبيّ في المرحلة الراهنة من وجودنا على الأرض..؟!

على كل حال، ربما يكون (موسم) انتخابات الأندية الأدبية قد انتهى – أو هكذا أتمنى – ولكنّ سيطرته على أفكار بعض الأدباء يجب أن تنتهي أيضاً في المواسم القادمة، أو أن يؤخذ الأمر على أنه نشاط إداريّ – فقط – ولا يتجاوز ذلك إلى تسيّد كل اهتمام في المشهد الأدبيّ، وإشغال معظم الأدباء عن الأدب نفسه!

كذلك الحال مع (وزارة الثقافة والإعلام) فالفعاليات تقام تحت مظلتها ومراقبتها، ولكنّ ذلك لا يعني أن يتحوّل الأدباء والمثقفون من مفكرين مبدعين لهم شخصياتهم الاعتبارية إلى موظفين متعلقين بقرارات وزارتهم وتصريحاتها..

إنها دعوة أكررها بأكثر من طرح: دعونا نقدّم مشهداً ثقافياً يمتلئ بالفكر والأدب والإبداع، وليس بالجدل حول انتخابات أو قرارات أو تصريحات..

***

* (هامش للمقالة السابقة):

نبهني صديقٌ من أهل النحو -والسعادة تملأ قلبه!- أنني أخطأتُ في مقالة الخميس الماضي المعنونة (أخطاء صغيرة!) حين وصفتُ الحقلَ بالفاعل في عبارة (وصار لأوزانه وقوافيه حقلٌ من العلوم) وراح (يعرب) لي الجملة، ليخبرني بالاسم الصحيح -الذي يستهلك سطرين!- ثم زاد على الشرح بالقول مازحاً: (يا ويلك لو انتبه أحد النحويين)!

أقول للصديق وغيره من النحاة: إنما قصدتُ أنّ حُكم الحقل كحكم الفاعل (الرفع)، ثم إن الحقل الذي عنيته بمقالتي – كمعنىً - هو فاعلٌ فعلاً إذ لا يزال يحضر باستمرار، غير أنّ القصد الأهم هو أنني حريصٌ على الكتابة (الصحيحة) مع اعترافي واعتزازي بعدم تعلّمي مصطلحات (الإعراب). وسأضيف: إن أكثر البارعين في الإعراب النحوي في وادٍ والكتابة الصحيحة في واد (!) والشاهد أن صديقي (النحْوي) نفسه سبق أن كتب بيده عبارة (مدة تزيد عن النصف عام) والصحيح (تزيد على نصف العام) ولم يقتنع بالخطأين، حين نبّهته، إلاّ بعد أن قام بإعراب الجملة ومراجعة القواعد!

ختاماً أقول: فليراجع كلٌّ منا قواعده، ويعرب – على طريقته – جملة ما قدّمت يداه.

الرياض ffnff69@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة