هذا الفعل من مزيد (خَلَقَ) بتضعيف عينه، والخلْق هو التقدير، قال الجوهري «الخَلْقُ: التقديرُ. يقال: خَلَقْتُ الأديمَ، إذا قَدَّرْتَهُ قبل القطع». ومن ذلك خلق ذات الأرواح، قال تعالى ?أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ?[49-آل عمران]، ويُعبر عن اتصاف المرء بالاقتدار بالفعل (خَلُق)، ومنه جاء وصفه بالوصف (خليق)، جاء في معجم العين «وقد خَلُقَ لهذا الأمر فهو خليق له أي: جديرٌ به»، وفي أساس البلاغة «وهو خليق لكذا: كأنما خلق له وطبع عليه»، ولذلك ليس بغريب أن يُستعمل للاتصاف بمقاربة الفعل، وإن لم يفعل ذلك، قال سيبويه(الكتاب،3: 157) «وتقول: إنّه خليقٌ لأنْ يفعلَ، وإنه خليق أنْ يفعلَ، على الحذف» أي حذف اللام من (لأنْ) . ويرد في هذا السياق الفعل (اخلولق)، قال سيبويه(الكتاب،3: 157) «واخْلَوْلَقَتِ السَّماءُ أنْ تمطر، أي: لأنْ تمطر»، والفعل فيه دلالة على المبالغة يهبها البناء (افْعَوْعَل)؛ فكما يدل (اعشوشب) على كثرة العشب يدل (اخلولق) على قربٍ شديد من الحدث وتهيّؤ له، جاء في المخصص لابن سيده نقلا عن أبي حنيفة «وإذا كان السحابُ مُخِيلاً فهو مُخْلَوْلِقٌ أي خَلِيقٌ للمطر». ويفهم معنى المقاربة من قول سيبويه عن الفعل (عسى): «وتقول عَسَيْتَ أنْ تفعلَ، فَأَنْ هاهنا بمنزلتها في قولك: قاربتَ أنْ تفعلَ، قاربتَ ذاك، وبمنزلة: دنوت أن تفعلَ»(الكتاب،3: 157). ومن قوله: «وعَسَيتُ بمنزلة اخلولقَتِ السماءُ»(الكتاب،3: 157). وقوله: «كما تقول: دنا أن يفعلوا، وكما قالوا: اخلَولقَتِ السماءُ أنْ تَمطُر، وكل ذلك تكلَّمُ به عامةُ العرب»(الكتاب،3: 158). وعلى الرغم مما قرره سيبويه من أمر هذا الفعل وجدنا الناس ازورّت عن استعماله؛ إذ بيّن ناصر الحمد في رسالته (الاستعمالات المهملة في النص العربي) أنه لم يجد له استعمالا في لغة الكتّاب بعد ذلك. وأما غير هذا الفعل من الألفاظ الدالة على التقدير والجدارة فهي مستعملة، فمن ذلك التعجب (أخلقْ به)، قال محمد بن بشير الخارجي:
أخْلِقْ بذِي الصَّبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ *** ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبْوابِ أنْ يَلِجا
وكذا (ما أخلقه) قال المتنبي:
ما كان أخلقنا منكم بتكرمةٍ *** لو أنّ أمركم من أمرنا أمم
ومن ذلك (خليق) جاء في (صبح الأعشى، 9: 190): «ومولانا خليق بأن يطلع من أنس المملوك ما غرب»، ويجوز حذف الباء كما حذفت اللام من (خليق لأنْ)، قال «متعوضا من شكر المملوك وشكره بما هو خليق أن يطوق أجياد معاليه»(صبح الأعشى، 9: 133)، فإن تقدم (بأنْ) على (خليق) امتنع الحذف، كما جاء في (قِرى الضيف، 4: 308): «والناس رجلان كريم ولئيم وكلٌّ بأنْ لا يُسب خليق». وهذا شأن اللغة يحيا منها ما حيّ عن استعمال ويفنى منها ما فني عن إهمال
الرياض