عندما بدأ اسم القصيمي يتردد مصحوباً بالتهم أو اللعنات من البعض والإعجاب والاستغراب من البعض الآخر، اشتريت أول كتاب له في صيف عام 1969م من لبنان.. ولم أقرأ الكتاب في حينه وإنما تصفحته على عجل فقد كنت عثرت على كتاب للقصيمي في مكتبة دار التوحيد بالطائف وأنا أدرس فيها في الثمانينيات الهجرية فتصفحته وكان غلافه أخضر على ما أذكر وطبع في مصر ويدافع عن الدعوة السلفية «دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب»، وعندما اشتهر القصيمي ككاتب ملحد -منذ عام 1943م تقريباً- يمارس التجديف بأسلوب إنشائي رنان.. كان الوسط الثقافي والسياسي في العالم العربي وبالذات في لبنان مهيأ لتقبله بل والإعجاب به وترويجه.
وكنت في سياحة لمصر عام 1975م فعرض عليّ بعض الشباب من المنطقة الشرقية أن نذهب لزيارته في بيته بالقاهرة فوافقت على الفور لأنني متشوق إلى رؤية هذا الإنسان -غير العادي- وتكوين انطباع شخصي عنه، وبالفعل ذهبنا إليه وكنا أربعة على ما أذكر فاستقبلنا في غرفة جلوس صغيرة في شقة متواضعة وجلس في زاوية من الغرفة وعليه نظارة خضراء قاتمة لا تبين عينيه.. وطلب لكل منا «قازوزة» ولم يبتسم أو يتبسط معنا بل كان جاد الملامح وأقرب إلى التجهم والغطرسة مما يجعله لا يدخل القلب؟!
ثم بدأ بالحديث فألقى علينا محاضرة استغرقت حوالي نصف ساعة لم نقاطعه خلالها إلا نادراً.. فكنا كالتلاميذ الصغار.. أمام مدرس في مدرسة ابتدائية، وعندما بدأ ينتقد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والحضارة الإسلامية والبداوة العربية ثم يدعي أن العمال الإسبان واليهود هم الذين بنوا حضارة الأندلس وأن العرب مجرد محاربين ومرتزقة.. سقط من عيني وضاق صدري وتمنيت لو أستطيع أن أترك المكان، وأدركت أن الرجل يهدم ولا يبني.. وأنه موتور، وبعد سنوات طويلة التقيت به مرة أخرى صدفة لم أتوقعها في شقة العلامة: حمد الجاسر ومعي أحد الأصدقاء، وكان ذلك في شتاء عام 1992م بالقاهرة وقد ذهبنا أصلاً لزيارة الشيخ الجاسر والسلام عليه والاستئناس بحديثه وتأدية واجب المحبة له.
كان القصيمي -الذي عرفته- طوال الجلسة صامتاً متجهماً ويلبس نظارته الخضراء الداكنة ولم يكن أنيقاً فقد كان يلبس ثوباً وفوقه «بالطو» ويلف حول عنقه شماغاً أحمر ويبدو في هيئته كأحد العامة في مصر أو الشام؟!
ولم يشترك في النقاش أو الحوار، كذلك لم يعرفه صديقي الذي كان معي، لكنني همست في أذنه بأن هذا هو «القصيمي ما غيره»؟! وبعد حوالي نصف ساعة من الصمت استأذن بالانصراف وقبيل انصرافه ألقى علينا سؤالاً واحداً محدداً عن مهمتنا في مصر، فقلت له: الدراسة العليا! فقال على الفور: والله لو طلبتم النبوة من المصريين لأعطوكم إياها، ألهمني الله جواباً أعجب الشيخ الجاسر إذ قلت على الفور: أولاً لا نبي بعد محمد وثانياً: فقد جاءهم المتنبي (الشاعر) ولم يعطوه مزرعة مع أنه كان يطمع بالولاية؟!
إن القصيمي الذي انتقل من أقصى اليمين السلفي المحافظ إلى أقصى اليسار المتطرف بعد سنوات من مجيئه لمصر ودراسته القصيرة في الأزهر، وكانت إقامته ودراسته على حساب الحكومة السعودية لم ينتقل بصورة طبيعية؛ فهل وقع في حبائل الماسونية بتأثير من محمود أبو ريه؟ أقول هذا ولا أستطيع أن أتهم أحداً بلا دليل، لأن هذه الجمعيات السرية شأنها في ذلك شأن المخابرات والمباحث لا يمكن تثبيت الدليل على منتسبيها.
لقد كانت الماسونية ولم تزل تصطاد ضحاياها من أمثال (القصيمي)، وتوظفهم لأغراضها الشريرة التي تخدم الإلحاد واليهودية، وتخريب الشعوب والبلدان وتحويل الملائكة إلى شياطين والموهوبين إلى تابعين.
لقد كانت محافل الماسونية مفتوحة على مصراعيها في مصر الملكية حتى ألغاها وأقفلها جمال عبدالناصر في عام 1964م وهذه إحدى حسناته القليلة.
إن هذا ظني في (القصيمي) وعلى أية حال فبعض الظن إثم -لا كله-!!
والله أعلم.
جدة