أيها الشاعر الكئيب مضى الليل
وما زلت غارقاً في شجونك
مسلما رأسك الحزين إلى
الفكر وللسهد سجونك
ويد تمسك اليراع وأخرى في
ارتعاشة تمر فوق جبينك
وفم ناضب به حر أنفا
سك يطغى على ضعيف أنينك
( علي محمود طه المهندس )
إن الشاعر علي محمود طه (المهندس).. انطلاقاً من واقع المعاناة والتجربة يصف ليل الشاعر.. بل هو ليل كل مفكر.. أو من ينتمي إلى حرفة الأدب التي تتسلط على العقول فتجرها إلى ميدانها فتحيل ليل الإنسان إلى نهار ينام فيه الخلي ويسهر الشجي.. وقد قالت العرب: “ويل للشجي من الخلي”. ولما كان الشاعر والمفكر يلمس تلك الندوب التي تظهر على سطح عقله وفكره تماماً كما العشاق، الذين يؤرقهم الشجن ويؤلمهم السهاد، فقد وصف شاعرنا الشيخ عبد الله بن علي آل عبد القادر ذلك بأبيات قال فيها:
يا أيها المفتون بالبيض الدمى
أنهاك لا تصحب سوى المفتون
إن الشجي متى يصاحب خاليا
عاد الشجي بصفقة المغبون
إن الشاعر علي محمود طه لا يتركنا حيارى في ظلمة الليل البهيم مع ذلك الشاعر المسهد، بل يأخذ بأيدينا ليطلعنا على بعض الصور التي تبرز معاناة الشاعر وعدم التفاته لشيء مما حوله، مادام قد أشغل نفسه بفنه.
لست تصغي لقاصف الرعد في الليل
ولا يزدهيك في الأبراق
قد تمشى خلال غرفتك الصمت
ودب السكون في الأعماق
غير هذا السراج في ضوئه الشاحب
يهفو عليك في إشفاق
وبقايا النيران في الموقد الذابل
تبكي الحياة في الآماق
فلماذا هذه الصور المعتمة، وتلك الهيمنة الطاغية التي استولت على الشاعر حتى لم يعد يهتم بما يجري حوله، فهو لا يسمع الرعد ولا يرى البرق، صحب السكون، وتجلل بالهدوء. فلماذا كل هذا؟
يجيب الشاعر:
أنت أذبلت بالأسى قلبك الغض
وحطمت يد رقيق كيانك
آه يا شاعري.. لقد نصل الليل
وما زلت سادراً في مكانك
ليس يحنو الدجى عليك ولا
يأسى لتلك الدموع في أجفانك
ما وراء السهاد في ليلك الداجى..
وهلاَّ فرغت من أحزانك
هنا وفي صحبة الشاعر نجد الأسى والذهول والدموع والسهد هي رفاق الشاعر في تلك الغرفة، يصارع الليل الذي يود منه ألا ينتهي حتى يتمكن من إتمام ما يريد أن يفضي به، لكن الليل لا يمنحه تلك الفرصة، بل ينسحب دون أن يحس به.. ولا يأبه إلا من قد تسللت إليه أشعة النور. وهذه الصور والخيالات ليست خاصة بالشاعر وحده، بل نجدها تصاحب كل من يحمل هما من هموم الناس.. إلا أن الشاعر هو الأقرب إلى الذهن بحكم المعاناة المشتركة التي يتشبت علي محمود طه بأطرافها.
- الدمام