كلما قرأت اسم الكويت الحبيب أو زرته تذكرت ذلك الحصن الكبير «الكوت» - الذي هو تصغير وتمليح لاسمه - الذي يقع في شرق بلادنا الغالية - في الأحساء. وفي هذه السنوات أصبح يقام في الكويت الشقيق مهرجان ثقافي باسم «القُرين»، فعادت بي الذاكرة إلى قراءات قديمة عن تسمية الكويت في حقبة سابقة باسم القرين أجدها مبثوثة بين سطور العديد من الكتب التاريخية سجلت عن تاريخ المنطقة، وفيما أنا أفكر في سبب هذه التسمية إذ سقطت في يدي ورقة صادرة عن ذلك المهرجان الذي عقد في دولة الكويت الشقيق بعنوان: «لماذا القرين»؟!.. أي لماذا اختاروا اسم القرين لهذا المهرجان الثقافي؟!
وتقول الورقة..
«عندما كنا نفكر.. في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في الاسم الذي سنطلقه على مهرجاننا الثقافي الأول.. طُرح أسماء عدة.. بعضها أسماء حديثة والبعض الآخر أسماء تاريخية.. وعندما فكرنا في الأسماء التاريخية ترددنا أيضاً.. فالمنطقة قد ارتبطت بأسماء موغلة في القدم تصل إلى ما قبل الميلاد وما قبل ظهور الإسلام، مثل كاظمة، ووارة، والعدان، إضافة إلى الأسماء الأغريقية والدلمونية، مثل إيكاروس، لكننا أجمعنا في نهاية المطاف على القُريْن.. فلماذا القُريْن؟.. وتمضي تلك الورقة قائلة:
القُريْن هي اللبنة الأولى في بناء الكويت الحديثة بإجماع كل المؤرخين، وقد ورد اسم القرين كرديف لاسم الكويت باعتباره مبيناً في الكتابات والخرائط التي وضعها الرحالة الغربيون.. ومن أقدم هذه الخرائط تلك الخريطة التي وثقها الرحالة الهولندي كارستن نيبور Carston Ntebuhr، والتي وردت في وثائق شركة الهند الشرقية في القرن السابع عشر.
وقد وردت إشارة كارستن للقرين (الكويت) بعد أن زارها في عام 1765م، حيث وصفها بأنها مدينة عامرة يشتهر أهلها بالتجارة وصيد اللؤلؤ والسمك، ويستخدمون لهذا الغرض ما ينيف على ثمانمائة قارب وسفينة.
وكذلك ذكر الدكتور سيتزن Seetzen في رسالته المؤرخة في أبريل 1805م، أن المقيم الدائم الإنجليزي، صامويل ماينستي قد غادر البصرة بسبب الاضطرابات التي نشبت فيها في ذلك الوقت، وأقام بالقُرين (الكويت) ما يقرب من ثلاث سنوات..!
وقد ذكرت التقارير الإنجليزية والعربية عموماً أوصافاً متطابقة إلى حد بعيد للقرين والكويت كمسميين لمدلول واحد وهو الميناء البحري الواقع على الساحل الغربي للخليج قريباً من رأسه، وتحكمه القبائل العربية التي تحضرت، حتى جاء آل صباح ومن معهم واستوطنوا الإقليم، الذي أصبح يعرف ب»الكويت» منذ منتصف القرن السابع عشر، وبدأ يتشكل كيان دولة الكويت الحديثة.
وبعد اطلاعي على هذه الورقة تعجبت كيف يكون الرجوع إلى هذه المصادر الغربية ولا يشار إلى المصادر العربية ولا إلى جذور الكويت ووشائجه التاريخية مع أخوته من حوله..!
- وواصلت القراءات التي تقول.. ثم جاءت رحلة مرتضى بن علوان إلى الكويت عام 1120هـ فوجدها مزدهرة.. وكذلك ورد في الوثائق البريطانية عن الكويت وارتباطها سواء باسمها الأول القُرين أو الأخير (الكويت) بشرق الجزيرة العربية وذلك إلى عام 1750م.
وتحديداً ذكر المؤرخ الكويتي سيف الشملان، وكذلك المغيري أن تأسيس الكويت أو «القُرين» مرتبط بشخص من أهالي الأحساء اسمه عقيل بن غرير الخالدي - في عام 1060هـ - 1750م.
وهنا يأتي الالتباس في اسم من أنشأ الكويت بين بن غرير - وعريعر - الذي لم يولد وبقي عليه مائة سنة.
إلا أن الورقة أيضاً وما تضمنته شرحت وبررت بشكل جيد اختيار اسم «القرين» للمهرجان إلا أنها لم توضح لماذا أطلق هذا الاسم القرين على الكويت الشقيق من أجل اطلاع القارئ وعشاق التاريخ في الخليج على مصدر هذه التسمية، فعدت إلى بعض تلك المصادر التي ورد فيها ذكر عن نشأة الكويت.. ولعله من المفيد أن أسجل هنا ما لاحظته بطريق الصدفة أنه توجد «قرية قائمة حتى الآن في منطقة الأحساء تحمل اسم القُريْن قع القرين شمال واحة الأحساء، وهي تتبع المبرز إدارياً.. وقد قدر لوريمر المستشرق الإنجليزي مؤلف دليل الخليج عدد منازلها سنة 1908م بنحو 130 منزلاً كما ذكر، فقدر عدد من يسكنها قرابة 1600 نسمة يعملون في مزارع الأرز وحقول النخيل التابعة للقرية، وقد اتسعت الآن وكثر سكانها، ولا زالوا يزرعون الرز الأحمر الممتاز، وقد شملها العمران وانتشر التعليم وكثرت فرص العمل المتاحة.. مما جعلني أربط بين ما ذكره هؤلاء عن تسمية الكويت وأصلها وهذه القرية. أما الكتب التي ذكرت نشأة الكويت الغالي، فمنها تاريخ هجر لمؤلفه السعودي عبدالرحمن الملا، إذ يقول:
«كانت الكويت حين نزلها العتوب تعرف بالقرين.. وكان بها كوت(1) أو حصن أقامه حاكم الأحساء هناك لهدف حماية الح دود الشمالية لإمارته، وعندما سئل عنه قال: هذا كويت، وهو تصغير لذلك الكويت الكبير». وقد وهبه للعتوب فشرعوا في إقامة المنازل من حوله.. فكان ذلك نواة لتأسيس مدينة الكويت التي استمدت اسمها من ذلك الحصن.. وفي سرعة مذهلة أخذت هذه المدينة في النمو والازدهار.. فاتسع عمرانها وتضاعف سكانها.. وأخذت القبائل تتوافد عليها للإفادة من النشاط التجاري الذي دأب العتوب على تطويره.. ومن ثم بات من الضروري اختيار حاكم للمدينة لتصريف شؤونها ورعاية مصالح أهلها وحمايتها.. فوقع الاختيار لهذه المهمة على الشيخ «صباح بن جابر» فبايعوه على السمع والطاعة والتشاور معهم فيما يعود بالنفع على الجميع.. فكان هذا الحدث إيذاناً بميلاد إمارة الكويت التي كانت ولا تزال من ذلك التاريخ في رعاية وحكم أسرة آل صباح الكرام.
ويرجع المؤرخون أسباب ازدهار الكويت والمكانة المرموقة التي تبوأتها إبان تلك الفترة المبكرة من نشأتها إلى عوامل من أهمها(2):
1- موقعها المتميز على الطريق الصحراوي للتجارة بين الشام والجزيرة العربية.. وكذلك ميناؤها الواقع على الطرف الشمالي الغربي من الخليج.
2- الحركة التجارية التي برع آل صباح وآل خليفة والجلاهمة في ممارستها وتنمية مصادرها من ناحية.. والنشاط الناشئ عن نشاط الشركات الأوروبية في الخليج من ناحية أخرى.
3- تمتع الكويت عند نشأتها بحماية حكام الجزيرة العربية وبتشجيع التجارة والاكتفاء بأدنى حد من الرسوم على الصادرات والواردات من مختلف البضائع والسلع مع المحافظة على استتباب الأمن والنظام.
4- جاء نمو الكويت في أول القرن الثاني عشر الهجري وقت كانت فيه قوى الشر المحيطة بها غارقة في بحر من الفوضى والانحلال والضعف بحكم الاضطرابات الداخيلة في العراق وفارس.. علاوة على ذلك الحروب المستمرة بينهما.
وكانت تلك البلاد منقسمة على نفسها في صورة مشيخات صغيرة متنافرة. فقد ساعدت هذه العوامل مجتمعة على نمو الكويت وازدهارها.
قلنا فيما سبق أن موضع الكويت كان يسمى (بالقرين) وذكرنا أن القرين كانت قائمة في مكان الكويت الحالية منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي ولم تكن حينذاك سوى قرية صغيرة.. وإلى تلك القرية وفدت جماعات العتوب.. وهم مجموعات من الأسر العربية المخلتفة.. أما تاريخ وفود العتوب.. فهو أمر لا يزال موضع نقاش وجدل.. وكذلك الحال مع تسميتهم بالعتوب.. أعلمهم إلا أنهم عتبوا ولم يضلوا مباشرة! ثم الطريق التي سلكوها قادمين من الأفلاج وأدت بهم إلى الكويت هي طريق السليل والربع الخالي قطر التي لبثوا فيها حوالي ثلاثين سنة، وقد أجمعت المصادر الكويتية والتاريخية على أن أهل الأحساء هم المؤسسون للكويت وإن اختلفوا في تحديد تاريخ تأسيسها، وربما أن ذلك الرجل المؤسس كان يسكن قرية القرين فسماها باسمها.. ثم بُحث عن رمز أكبر فكان الكوت معلماً بارزاً فاشتق الاسم الحالي منه بعد حوالي ثمانين سنة من التسمية القديمة!
أما متى تم ذلك؟ فهناك من ذكر(3) أن ذلك تم سنة 1019هـ / 1601م، بينما حدده الشيخ مبارك بن صباح سنة 1022هـ/ 1613م.
وذلك في خطاب إلى محسن باشا والي البصرة أجابه فيه عن سؤاله عن تاريخ تأسيس الكويت(4)، بينما هناك(5) من أشار إلى أنها أُسست سنة 1060هـ/ 1650م، وقيل(6) إنها أُسست سنة 1070هـ/ 1660م، وقيل (7) حوالي سنة 1080هـ/ 1670م، وقيل(8) سنة 1100هـ/ 1689م، وقيل بعدها(9) ويعزو خزعل(10) هذا الاختلاف إلى مراحل تطور الكويت ونموها، بحيث اعتبر كل مؤرخ مرحلة من مراحل هذا التطور هي نقطة التأسيس الرئيسة فأرخ بها.
وفي هذا التعليل اعتراف ضمني بقدوم تأسيسها، والأرجح أنها أُسست تدريجياً في حوالي منتصف القرن الحادي عشر الهجري(11) السابع عشر الميلادي على أقرب تقدير..
وشكراً لتلك الورقة التي أتاحت لي هذا البحث الممتع الذي أشركت القارئ معي في الاطلاع عليه.
* * *
1- يطلق الكويت على كل بناء مربع كبير ينشأ على شواطئ البحار أو الأنهار أو بالقرب من عيون المياه ويستعمل لغرض من أغراض الدفاع.. وكلمة الكوت من أصل كلداني أو برتغالي.. والكويت تصغير الكوت جرياً على عادة العرب في تصغير الكلمات.
2- أي عتبوا وزحفوا من الجنوب إلى الشمال أبو حاكمة - تاريخ الكويت - ص 124.
3- محمد بن خليفة النبهاني، التحفة النبهانية - الكويت - (القاهرة 1368هـ 1949م) ص 126 (4) خزعل. تاريخ الكويت. ج1 ص 37.
4- عبدالله الحاتم. من هنا بدأت الكويت (دمشق . بدون) ص 8.
5- سيف مرزوق الشملان. من تاريخ الكويت (مصر 1378هـ/ 1959م) ص 102.
6- راشد عبدالله الفرحان. مختصر تاريخ الكويت (القاهرة: 1380هـ/ 1960م). ص 61.
7- الشملان، مرجع سبق ذكره، ص 102 علي الشرفي. العرب والعراق (بغداد 1388هـ/ 1963م). ص 61.
8- يوسف بن عيسى القناعي, صفحات من تاريخ الكويت (الكويت 1388هـ/ 1968م) ص 5. الشملان مرجع سبق ذكره ص 102.
9- المرجع نفسه.
10- تاريخ الكويت. ج1 ص 37.
11- صلاة العقاد. التيارات السياسية في الخليج العربي (القاهرة 1394هـ/ 1974م), ص 53.
الرياض