قبل أن يفارقنا الثبيتي بنحو عام كُلفت بإرشاد أحد طلاب قسم اللغة العربية؛ لاختيار موضوع يُقدم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير، وتناقشنا سويا في جلسات متعددة، ويعلق في ذهني ويراودني - في تلك الفترة - مشروع بحثي يختص بدراسة شاعر قدم للساحة الأدبية زادا شعريا جمع فيه بين الأصالة والمعاصرة، وتجاوزت كلماته حدود المعتاد لتقفز في آفاق رحبة من المغامرة، التي تتخطى الثبات الموحد لتصل إلى المتحول المطلق، شاعر منح التجربة الحداثية صكوكا من الغرابة والدهشة، حيكت خيوطها من أقطان لغوية، تتجاوز ما أتت به البلاغة القديمة، وما مجده النحويون أو الصرفيون، هذه الصكوك غدت رسوما منحوتة فوق جدران النص الحداثي لدرجة وصلت بها إلى تحولها إلى مزارات يزورها النقاد، فتدور أعينهم محاولة إدراك كنهه المرسوم، لتصل في النهاية إلى جدارية بلاغية أو مومياء أبدع من حنطها، وأبدع أكثر من أخفى سر جمالها.
إنه الشاعر - الحاضر دائما - محمد الثبيتي، فقد رأيت أن تجربته الشعرية تستحق الدراسة العلمية المتخصصة، فكان “ تجدد النص الشعري في المملكة العربية السعودية - الشاعر محمد الثبيتي نموذجا “ عنوانا للبحث المقدم من الطالب : هادي أحمد زائري، وقُدمت الخطة للجنة الأدب والنقد، ونوقشت وسط إعجاب الكثيرين بطرافة الموضوع وجدته، واستطعنا أن نكسر القاعدة التي تتبناها كثير من الكليات في كثير من الجامعات، التي تمنع دراسة الأحياء ؛ لقناعتنا بأن الدراسة النقدية الحديثة تختص بدراسة النص قبل مبدعه، وأن التجربة الشعرية التي تحتشد بمكونات وظواهر نقدية تسمح بدراستها، فهذا يعد مسوغا للتناول والبحث وعدم الإخفاق أو الإغفال.
ولقد شرفنا بموافقة قسم اللغة العربية الموقر على الموضوع، وكذلك مجلس الكلية، وسُجل الموضوع باسم الطالب، وتم تعييني مشرفا على الرسالة، وقد أسعدني هذا التكليف، وأتمنى أن تقدم هذه الأطروحة نتاجا ثقافيا للساحة الأدبية والنقدية، يلقي الضوء على تجربة هذا الشاعر المبدع، وتفي بما قدم، ونفي له ولذكراه بزهور يفوح أريجها من ثنايا حروفه النابضة وكلماتنا العاجزة أمام شموخ النص.