يطل الكاتب عبدالعزيز الحجي على القارئ من شرفة السرد بتفاصيل حكاية المكان في روايته التي وسمها بعنوان «من التحلية إلى الشانزلزيه» مبيناً ما بين المكانين من صور وأحداث شرع في ترتيبها على نحو هادئ وبأسلوب كتابة رشيق غير متكلف يقصد فيه لا محالة إيصال الفكرة إلى القارئ بأيسر السبل.
ففي الفصل الأول من الرواية ندلف إلى عمق المكان «شارع التحلية» الذي حمل شق العنوان الرئيس للرواية، فهو مكان معروف لا سيما لشريحة كبيرة من الشباب حيث ننتظر الأحداث التي يخبؤها الراوي العليم، بطل الرواية (تركي المرحالي) ليقدم لوحات متتابعة لحكايات رابطها المكان والزمن وإن تعاضدت فيها صورة التجارب المتشابهة لجيل الراوي البطل الذي اختطه في الرواية ليحمل صفة الأحداث العابرة للماضي.
لوحات الرواية جاءت متواترة تكشف دون لبس مراحل متقاربة من منقولات الراوي «تركي» الذي اعتمد على الذاكرة في بناء هذه القاعدة السردية، ليسعى جاهداً إلى ربط الصور الحياتية رغم بساطتها برابط عضوي يحتمل عنصر المفاجأة، فلا تخلو أي لوحة من لوحات السرد في هذه الرواية من فضاء دلالي يوغل في المواقف ويصف ما قد تؤول إليه الأحداث من منظور تأملي تغلب عليه الصراحة، ليكاشف الواقع بلا مبالغة أو مداهنة أو مجاملة.
الأحداث في هذا العمل بسيطة، بعضها عفوي، يترك الراوي فرصة تساوقها وحضورها في الذهن للصدف المحضة، لأن الفكرة المستنبطة فيها بلا جدل هو اتكاء على ذاكرة المحكي الساكن والمستعاد من ذلك الزمن الغارب في مجاهل الماضي، حيث تبدل كل شيء ولم يعد حريًّا بالراوي على الأقل أن يقيم المرحلة إنما يتجرد في نقلها وأحياناً يغلب خطاب النقد نحوها لا سيما المرحلة التي شهدت موجة التدين أو ما يعرف بالالتزام بين جيل الشباب في العقد الماضي وما قبله، حيث وقف الراوي على الحقائق في المرحلة المتوسطة والثانوية وأوائل مراحل الجامعة.
في الرواية هجس نقدي -كما أسلفنا- أو مخالصة موضوعية لما كانت عليه التحولات لا سيما وأن الكاتب خرج مذكراً على لسان الراوي البطل تركي» إنها إرهاص محض لسني المراهقة ومغامرات الطيش التي بات يتبرأ منها.
ما يمكن أن نصفه بالشق الثاني من الرواية يبدأ من الفصل الثالث ويسمه الكاتب بعنوان «منعطف هام» أو «مهم» والكلمة الأخيرة ربما أبلغ، لأنه نقلنا من رؤية عالم محلية إلى عوالم أكثر رحابة حيث بدأ التجربة من فضاءات المدن البعيدة - فكتوريا - أحد مدن كندا - عن عالمه المحلي العاصمة السعودية الرياض وشارع التحلية.
تعتمد الرواية على السرد المباشر في لغة رشيقة متوازنة تفضي إلى معرفة دقيقة بالأشياء، بل تحدد كنه الحدث وأسبابه دون إطالة أو ترهل، إذ ظل الاقتضاب هو المسيطر على فعاليات السرد.
لم يكن للعنوان وجود مسترسل في الأحداث إذ ظل حاضناً فقط لفكرة السرد الأولى، حينما جعله البداية في رسم صورة المكان الذي تسير عليه الرؤية العامة للراوي، فلم يكن شارع التحلية سوى مدخلاُ للحكاية وشارع الشانزلزيه هو الخاتمة وما بينهما أحداث ثارت وانطفأت.. بل باتت الوقائع والشواهد مجرد ذكريات أراد فيها الكاتب عبدالعزيز الحجي أن يعمق تجربة الجيل الجديد في كتابة العمل الروائي تيقناً منه بأن المجال السردي رحب والبقاء فيه للأصلح والأجمل.
* * *
إشارة:
من التحلية إلى الشانزلزيه (رواية)
عبدالعزيز الحجي
دار الكفاح - الدمام - 2010م
تقع الرواية في نحو (126صفحة) من القطع المتوسط