لا يمكن أن يقفز أي مبدع صادق نحو الجديد دون أن ينغمس في أعماق واقعه الثقافي بمختلف معطياته وكيفية التعامل معه، ومن هنا قيل إن لا نجاح لمبدع على المستوى العالمي إلا بنجاحه في محيطه ومجتمعه، وذلك من خلال خطين متوازيين، الأول قدرته على استلهام منابع الجمال في محيطه بكل عناصره الثابتة والمتحركة البيئة المحسوس منها والمادي، والمجتمع بعاداته وقيمه، هذه العناصر وهذا المبدأ لم يكن غائباً عن الفنانين التشكيليين السعوديين الذين انطلت أعمالهم الأولى من بيئتهم ومن كل ما تتمتع به بلادنا من مصادر للجمال وما منحها الله من تنوع يسمح للفنان من التنقل كالنحلة من مكان إلى مكان يستقي منها ما يناسب عين المتابع له والمعجب بإبداعه تقنية واختياراً لفكرة وموضوع، ومن ملامح تلك المنابع التي برزت في اللوحات التشكيلية المحلية الرموز والزخرفة الشعبية التي تتنوع من منطقة إلى أخرى ما يتيح الفرصة للفنان بالمزج والمزاوجة بينها ليخرج في النهاية بعمل بصري كسب به الكثير من المتابعين، ففي كل منطقة من مناطق الوطن خصوصية ونمط في جانب البناء والنقوش التي تضاف إلى المنازل أو الملابس أو على الأواني التي تصنع محلياً، فللشمال خصوصيته وللجنوب أيضاً كما للمنطقة الشرقية والغربية ما لها من تأثر بما ينقل إليها من منتجات عبر البحر أو ينتقل إليها من المعماريين، كما أن للمنطقة الوسطى (نجد) من سمة أصبحت رمزاً ومرجعية بصرية لمختلف التشكيليين منها زخرفة الجدران الخارجية للمنازل الطينية والنقوش الجصية داخل المنازل أو ما يتبع ذلك من نقوش بيوت الشعر مساكن البادية في المنطقة، كما لا ننسى ما يمنحه النساء لملابسهن وزينتهن وما يضاف ويضفي على مصنوعاتهن الجلدية أو ما ينتج من خامات البيئة كالسعف من فرش وخلافها من زينة وألوان طبيعية غالبيتها من الألوان المصنعة من بعض النباتات أو من مساحيق تستورد من بلاد بعيدة إضافة إلى ما يرى فيه الفنانون من جوانب الجمال في الحلي أو زخرفة الملابس التي تشتهر بها كثير من مناطقنا.
هذا الواقع وما نتج عنه من موروث أصبح اليوم محبباً عند الأجيال التي عايشته وتعايشت مع الظروف التي ولد فيها كان مصدر إلهام للتشكيليين سنتطرق له في حلقاتنا القادمة مستشهدين باللوحات والمنحوتات التي أبدعها الفنانون في بداية انطلاقة هذا الفن وتأسيسه وحضوره أمام أعين المجتمع في المعارض التشكيلية.
واليوم نستعرض بعضاً من الصور لمشغولات يدوية وأنماط زخرفة وتطريز ملبوسات كانت مصدراً للاقتباس وتوظيفها في لوحات تشكيلية أخذت مساحة من بدايات انطلاقة الساحة المحلية وبرز في نقل مثل هذه العناصر نخبة لا يزال البعض منهم متمسكاً بها رغم الحضور الكبير للفن الحديث المعتمد على الفكرة أو الإيقاع اللوني لخلق حالة من الجمال في اللوحة.
monif@hotmail.com