سمع الليل ذو النجوم أنينا
وهو يغشى المدينة البيضاء
فانحنى فوقها كمسترق الهمس
يطيل السكوت والإصغاء
فرأى أهلها نياما كأهل الكهف
لا جلبة ولا ضوضاء
ورأى السدّ خلفها محكم البنيان
والماء يشبه الصحراء
كان ذاك الأنين من حجر في السدّ
يشكو المقادر العمياء
أيّ شأن يقول في الكون شأني
لست شيئا فيه ولست هباء
لا رخام أنا فأنحت تمثالا
ولا صخرة تكون بناء
لست أرضا فأرشف الماء
أو ماء فأروي الحدائق الغنّاء
لست درا تنافس الغادة الحسناء
فيه المليحة الحسناء
لا أنا دمعة ولا أنا عين
لست خالا أو وجنة حمراء
حجر أغبر أنا وحقير
لا جمالا لا حكمة، لا مضاء
فلأغادر هذا الوجود وأمضي
بسلام إني كرهت البقاء
وهوى من مكانة وهو يشكو
الأرض والشهب والدجى والسماء
فتح الفجر جفنه
فإذا الطوفان يغشى المدينة البيضاء
وفي المدينة الخضراء كان هناك حجر صغير خرج من زاوية الحياة الضيقة، لديه شهادة جامعية يجر بها عربة خشبية ضاقت بها تونس.!
قيل له اخرج.. اخرج الآن اترك الساحة»! وحين أراد الكلام أُسكت بصفعة مباغته أطاحت بما تبقى من كرامة مهدورة! وكحجر أبي ماضي قرر التنحي.. احرق نفسه قهرا في الساحة.. مات ليحيا شعب بأكمله وهاهي الحياة تسري في أوصال الشعوب المقهورة..!
هاهي خارطة العالم تتغير، أمريكا تكتشف أمرا خطيرا المفتاح ليس بيدها ولا بيد سدنتها، إسرائيل تفقد بوصلتها (كيف ستقنع الشعوب بشرعيتها) فالغرف المغلقة لا تتسع لكل هذه الشعوب الغاضبة!
الصدمة التونسية تبعتها صدمة مصرية حين (فتّح الورد في ميدان التحرير) ومصر ليست كتونس وليست كأي دولة عربية، هي (قلب الوطن العربي) فإما أن تكون ممرا سهلا وسلسا لأمريكا ودرعا واقيا لإسرائيل وإما أن تكون شوكة مسمومة تعترض الحناجر!
اليوم يوم آخر.. اليوم تحّدث الشارع وصمتت المنابر.. العرب لم يعودوا كما كانوا أعرابا.. و(العزة) لم تعد كلمة صغيرة نرفعها أو ننصبها أو نجرها أو نكسرها كما نشاء!
amerahj@yahoo.com
دبي