Culture Magazine Thursday  03/03/2011 G Issue 333
فضاءات
الخميس 28 ,ربيع الاول 1432   العدد  333
 
مداخلات لغوية
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
أبو أوس إبراهيم الشمسان

تُتداول في الشبكة العنكبية قصة تدور حول هذه الآية، تتضمن الزعم أن استعمال لفظ (رجل) في قوله تعالى {ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (4-الأحزاب) هو من قبيل الإعجاز القرآني، والحجة المذكورة على طرافتها متوقف فيها، والحجة الطريفة هي أن المرأة قد تحمل جنينًا فيكون في جوفها قلبان، وإنما يتوقف في هذا الزعم من جهات، أما الأولى فسبب النزول وهو السياق الذي يجب أن يراعى عند فهم المعنى، فالسياق يتحدث عن رجل زعم أنّ في جوفه قلبين، جاء في تفسير مقاتل بن سليمان (3: 34): "نزلت في أبي معمر بن أنس الفهري، كان رجلاً حافظًا لما سمع وأهدى الناس بالطريق وكان لبيبًا، فقالت قريش: ما أحفظ أبا معمر، ألا إنّه ذو قلبين، فكان جميل يقول: إن في جوفي قلبين أحدهما أعقل من محمد، فلما كان يوم بدر انهزم وأخذ نعله في يده، فقال له سليمان بن الحارث: أين تذهب يا جميل؟ تزعم أن لك قلبين أحدهما أعقل من محمد؟"، وأما الثانية فإنه إن فرض قبول استعمال (رجل) لرعاية الدقة في المعنى بخلاف (بشر) الشاملة للذكر والأنثى، فإن الدقة صفة غير الإعجاز؛ لأن الدقة في التعبير يتصف بها القرآن وغيره، والثالثة أنه يمكن القول هنا أيضًا إن لفظ (رجل) قد لا يراد به المقابل للفظ (امرأة)، بل يقصد به معنى الإنسان ذكرًا أو أنثى، وهذا معروف في العربية وغير العربية من اللغات، والرابعة أنه لا حجة بما يعرض للأنثى من أحوال طارئة كما لا يعتد بما قد يحدث من تشوّه خلقي فيشتمل جوف الرجل على قلبين أو ثلاث كليات وهو من الأمور التي عالجها الطب الحديث. والخامسة أن المقصود بالقلب الذهن لا العضلة الضاخة الدم في الجسم، وهذا من مجازات اللغة العجيبة، ومن الطريف أن يغيب هذا عن الشيخ الشعراوي؛ إذ نجده يقول في تفسيره (1: 7417) "ومعلوم أن القلب هو أهم عضو في الجسم البشري فإذا أصيب الإنسان بمرض مثلاً يصف له الطبيب دواءًا، الدواء يُؤخذ عن طريق الفم ويمرُّ بالجهاز الهضمي، ويحتاج إلى وقت ليتمثل في الجسم، فإنْ كانت الحالة أشدَّ يصف حقنة في العضل، فيصبُّ الدواء في الجسم مباشرة، فإنْ كان المرض أشد يُعْطَى حقنة في الوريد لماذا؟ ليصل الدواء المطلوب جاهزًا إلى الدم مباشرة، ليضخه القلب إلى جميع الأعضاء في أسرع وقت. إذن: فالدم هو الذي يحمل خصائص الشفاء والعافية إلى البدن كله، والقلب هو (الموتور) الذي يؤدي هذه المهمة؛ لذلك عليك أنْ تحتفظ به في حالة جيدة، بأن تملأه بالحق حتى لا يفسده الباطل... وإذا كان القلب هو المضخة التي تضخ الدم إلى كل الجوارح والأعضاء حاملاً معه الغذاء والشفاء والعافية، كذلك حين تستقر عقائد الخير في القلب، يحملها الدم كذلك إلى الجوارح والأعضاء، فتتجه جميعها إلى طاعة الله"، وإنما يحسن سياق المعرفة بعد معرفة السياق.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة