إنه ليس نهاية شيء ما.. إنما بداية شيء آخر، بهذا المعنى اليوناني للحد أنها ليست نهاية عام.. إنما بداية عام آخر، يوم قبل أخير، والأخير ليس غداً، وغداً ليس نهاية العام، ثمة كثير من الأيام قادمة في هذا العام الذي مضى، ستجيئنا أيامه من كل ما لم يكن، تجيء من مذكرة وزارية مرجأة تدرس ما يناسب بلادها ولن نعرف متى تحين المناسبة.. ولا كيف لنا أن نكون لنناسبها، تجيئنا من قلب أجّل بوحه إيماناً بالصمت وغياً بالكلام، تجيئنا أيامه التي لم تمض من أخبار صديق يغيب عاماً ويحضر عاماً، تجيء من ديوان شعر لم نعد قراءته، يمضي العام تماماً.. ولا تمضي كل أيامه.. فيبقي منها ما ليس نذكره.. وما لا نستطع نسيانه، ليس سلوانا أن لا نتذكر أو ننسى، إنها فقط أيام لم تكن بعد.. ولم نكن نحن بعد.. لكنها تكون بعد عامين ربما، ثلاثة، أربعة خمسة أو الضعف حتى منذ عام مضى..
الأيام ليست ملكية خصوصاً لعام يمضي أو يجيء، الأيام ليست حالة وقت، ليست مشهداً من زمان.. لا نقدر على حسابه أو تاريخاً نرقّمه بتتويج ملك وسقوط آخر، الأيام ليست كتاباً لطه حسين.. ولا مذكرات سياسي متقاعد، وليست الأيام طالعنا من النجوم، الأيام ليست عدد حبات الرمل التي تسبح في بطن ساعة رملية.. بل غبارها الذي يعلق بحلقها ورائحته التي لا نشم، الأيام لا شأن لها بسرعة مضي العام علينا أحياءً.. ولا ببطئه في طرف آخر من الأرض كما يبكي آباؤنا وعظاً، الأيام التي لا نعرفها نحن على الأرض تعرفنا هي في السماء، والأيام التي نحسبها أربعاً وعشرين ساعة لا تحسبنا أربعة وعشرين مليون نسمة سكان مملكة، بل تعرفنا فرداً واحداً أحداً..
مضى العام.. وثمة أيام لم تمض من أجندة فتاة معلقة بأجندة عائلتها، عاشت أفراح إخوتها واحتفلت بميلاد الأحفاد، ولم تجد مواعيد تشبهها لتملأ أيامها البيضاء التي لم تمض مع عام مضى، مضى العام إذن.. وأيام الفتى العالق بملحق بيت والده لم تمض.. وهو لا يعرف كيف يمكن أن يلعب كرة قدم خارج جهاز بليستيشن، فوق فسحة ترابية وتحت صراخ فتيات يحببن الكرة ووسامته..
تمضي الأعوام عاماً تلو عام، والعمر وحده هو الذي يحسب على تعدادها، لكن أيامها التي لم تمض هي الحياة التي لم نعشها بعد ولم تجد هي طريقها إلينا ولا باباً هنا لتدخله علينا في بلاد تراكم الإنسان في انتظار الإنسان، وتراكم الانتظار في إنسان الانتظار، في هذه البلاد، هذه المملكة تحديداً تمضي الأعوام ولا تمضي الأيام، يمضي العمر والحياة معطلة فينا.. لا هي تمر بنا.. ولا نحن نعرف إليها السبيل، بلاد هذه نسكنها ونعيشها لكننا لم نحيا على أراضيها بعد، ولم نعرف بعد معنى الحياة فيها..
مضى العام إذن والأيام التي لم تمض.. ولن تمضي تسأل، إذا ما كانت الحياة لحظة خلق، فلماذا اللحظات لا تخلق الحياة، والعمر الذي يفرط الأعوام بدورة أرض يسأل ويسأل، نعيش إذاً نحن أحياءً.. فلماذا لا نحس الحياة ونحن نعيشها!
أيام وأكثر لن تمضي مع عام مضى، وحياة بكاملها ما زلنا ننتظرها ونتراكم في انتظاراتها.. إنسان ينتظر إنساناً..
الرياض