تسفر أخلاق الناس عن فحواها، أشد ما يكون، في ساعات الصباح الأولى.. وتشي قَسَماتهم بأي كيفية خلدوا للنوم ليلة البارحة، وتروي أي صنف من البشر باتوا بمعيتهم.. وجوه الناس ومسالكهم في الصباح الباكر مرايا صادقة تعكس أشكال لياليهم وأسرارهم الغائرة.
الصباح زفاف أرواح العشاق على معشوقتهم الحياة، والمقهى إمضاؤهم في وثيقة هذا الزفاف اليومي، والصحيفة وقدح القهوة شعائر ذلك القِران.
شركاء المكان الذين بلا وشيجة، هم أصدقاء ذوو نكهة فاخرة.. وفي دفء العلاقة عن مبعدة بينهم لذة لا تُضاهَى.
متى نحفظ المكان الجديد؟
المفلح من يصنع من كل يوم حكاية جديدة وفارهة.
العقلاء حقاً هم المجانين.
تمنحنا الحياة بقدر ما نتوقع منها.
ليس أمراً حريّاً بالملاحظة كما الطقوس اليومية، والأماكن المكررة، والدروب المألوفة.. غالباً، يؤتَى الناس من أشد أماكنهم أماناً.
ثمة خَلْقٌ أوفياء للظلمة، لا يستحقون أن نقتسم وإياهم نور الصباح.
من الشقاوة ممارسة عمل مع الحط من قدره.. أسوأ المهن ما يعيبها من على رأسها لمّا يزل.
أوقات الفجوات هي الأجدر بالعناية.. إنها الفترات ما بين الأحداث الجِسام، حيث لا تدونها دفاتر اليوميات الآن، ولا تظهر في كتب المذكرات بعد عقود.. «يكمن الشيطان في التفاصيل».
من 12 pm إلى 6 pm
يفتش الناس عن النجاح في أشد أوقاتهم بعداً عنه.
ليس بالضرورة دوماً تبيّن الخطوة المقبلة.. أحياناً، حسبنا فقط أن ندرك أننا نبلي بلاءً حسناً.
يافطة زرقاء، بألوان بيضاء، تفصح عن هويات الطرقات.. وتلك خضراء.. وثالثة بلون محايد.. اتخذ كلُ شيء له شكلٌ ما وملامح.. من يقرر الأشياء؟
الذين يتذمرون من اكتظاظ طرقات المدينة يتحتم عليهم إعادة النظر في أفكارهم.. الزحام الذي اكتسحنا هو أجمل هبات الرب لأناس مكتظي الأوقات بالأساس، وفي غمرتهم عن بعضهم ساهون.
بنايات هذه الأيام شاهقة وعارية إلا من أسورة الزجاج الأنيق - وإنما الهش - الذي يطوّق هيكلها الخرساني القفر.. أتكون هي الصيغة الهندسية الأكثر سيادة لكافة معالم هذا الزمن، شاملاً البشر؟
بات بمقدور واحدنا أن يلج داره عند الظهيرة، ولا يغادرها إلا صبيحة اليوم التالي لدواعي المهنة. اختزل المنزل كل الحاجيات، وأمسى العالم بأسره في متناول اليد.. أهو شقاء أو هناء؟
انقلاب الزمن من نهار إلى ليل، أو العكس، دون معاينة، مفض إلى الشتات.. من تردّي النفس ولوج المكان الموصد بُكرةً، والخروج منه عشياً، وقد خيمت الظلمة.. رصد تبدل الأوقات - بالأخص الغروب - هو الإشارة الكونية الأكثر سطوعاً على الإلمام بما يدور، والتناغم مع هذا الكون.
من 6 pm إلى 12 am
يتكبد الناس العناء، تماماً بقدر القيم التي بحوزتهم.
نحن لسنا بالضرورة كما نبدو.
البقاء على قيد الجمال مهمة بالغة المشقة، لا ترعاها إلا الطقوس.
الإنسان الحكيم هو الذي يستشف من الأحداث قواعد.
أي أمر يعني، وقت أن نجنح إلى خوض وقائعَ ما، كرّة أخرى؟
كيف يحيا نصفُ إنسان؟
الجسد موئل الأسرار.. والأسرار الفائقة لا ينبغي أن يفضّها سوى رمز واحد.. إفشاء الأسرار علانية يفضي بها إلى الابتذال.
الاكتئاب الإلكتروني، والتقصير الرقمي، والذنب التقني، هي آخر وأسوأ علل العصر.
أفول الضوء عن بعض نواحي القمر ليس منقصة تطاله.. إنما تقع اللائمة على عاتق الذين افترضوا فيه خلاف ما شاءه الخالق.
يساور الظن الحسن بالحياة أوهامنا، فنترقب أن تقذف شواطئها بالقنينة التي تحمل في باطنها رسالة الوعد المبين، من طيفِ ما، وراء البحار.
يا لهول ما نجهل من التفاصيل والمجريات التي في حياة ذوينا!!
أين يذهب الناس الذين لا يأتون إلينا؟
خير البوح الإمضاء.. وأجمل الهدايا البصمة.
القبْليون رائعون، إلا أن روعة البعديين لا مثيل لها.
في مرفق واحد للعامة، يلتئم شمل شتات الناس من مشارب شتى، وبلا ميعاد. وبعد برهة، ينفض سامرهم كلٌ لوجهته المغايرة، حاملين في جعبهم حكايا باختلاف النوايا.
أليس الشعور بالعجز عند الإخفاق في تحقيق الأحلام أيسر من الشعور بالفراغ الناجم عن تحقيق تلك الأحلام؟
من 12 am إلى 6 am
نتساوى عند البدء، ولكن في النهاية نحن لسنا متساوين.
كلنا سواء أمام الموت.
من يُحسن إنتاج الأيام؟
لا مناص من بلوغ الهرم ذات يوم، ولكن ما يُحْدث الفارق حقاً، اتضاح أن ما جربناه كان بالفعل شيئا يُدعى (الحياة).
لا تهب الحياة نفسها إلا للذين كرّسوا لها شغفهم، ولا يموت غيرُ أولئك الذين لا يستحقون الحياة.
كان يوماً وحسب.
بعد إتمام الطقوس، وارتداء المنامة، والانسلال وسط الدثار، لن يتبق سوى فرض أخير: تحسّس الجسد، لفحص بقاء الضمير في مخبئه المعتاد، خشيةً من تشظيه تحت دولاب اليوم.. ولفيض من التثبت: بالإمكان معاينة المرآة للتأكد هل نحن نحن، أم هي صورة سرابنا؟.. «جئتُ إلى هذا العالم خالي الوفاض، وسأغادره وليس معي إلا ضميري».
ts1428@hotmail.com
الرياض