اليوم.. وفي تمام العقد الأول بعد الألفية.. في يوم الشعر العالمي يقف الشاعر الذي كان قديماً وزارة إعلام القبيلة، ليجد بوناً شاسعاً في العصر الحديث بين تصوراته المسبقة، وبين واقع الحال، فالشاعر الذي ما زال يحلم دائماً بدور المرشد والمخلص تفاجأ بعصر لا يرحب بالمرشدين أو المخلصين، والشاعر الذي ما زال يتوهم أنه سيغير العالم بالكلمات سيفجع بحقيقة أن العالم اليوم لا يتغير بالكلمات وحدها، وكذلك الشاعر الذي يتخيل نفسه خطيباً على منبر تحتشد حوله الجماهير المتعطشة لتتلقف كل كلمة يتفوه بها سيشعر أن هناك أزمة ما.
وفي الحقيقة أن الشاعر في العالم لم يعد مرشداً ولا زعيماً ولا خطيباً (كما يرى الشاعر السوري نزار بريك في كتابه صوت الجوهر) وإنما هو فرد من أفراد المجتمع يتميز عن غيره بطريقته الخاصة في رؤية الأشياء، والتعامل معها وصياغتها فنياً وجمالياً، وفي قدراته على التعبير عن أحاسيسه وانفعالاته واكتشاف المسارات العامة للوجود الإنساني واستشراف الآفاق المستقبلية، وممارسة تأثيره على وجدان الناس من خلال العلاقة الحميمة والهادئة معهم التي ربما صار مسرحها الحقيقي اليوم هو القراءة الفردية لا المهرجانات الحاشدة، وهذا المآل ليس أزمة في الشعر نفسه وإنما هو محصلة طبيعية لمجموعة واسعة من العوامل والشروط التي أملاها العالم المعاصر.
ومهما يكن الأمر شاع السرد أو تكاثرت الصورة، يظل الشعر ذاكرتنا العربية المحمّلة بعبق تاريخنا وثقافاتنا وأحلامنا وحكاياتنا، وسيظل كذلك لأننا أمة لغة، كان الشعر أعذب وأشمل ما فيها.
إبراهيم الوافي