92 صفحة من القطع المتوسط
جمل يضرب بها المثل «ابن الوز عوام», «بنت الجواد مهرة», «هذه الشبلة من ذاك الأسود» تذكرتها وأنا اتصفح ديوانها الجميل شعراً.. واخراجاً.. وأناقة.. ارتسمت في ذهني صورة والدها الغالي الراحل بأناقته ولباقته، ولياقته، أدركت وأنا أقرأ خلجاتها الشعرية أنها الامتداد لحياة شاعر ملهم أعطى في حياته.. وترك الكثير من العطاء والوفاء بعد وفاته.. بماذا أوحت ليلى.. وهي تتحدث عن قيس في زمن حضارة الحب.. أو حب الحضارة؟!
حب قيس يتلاشى في متاهات الحضارة
أين ليلى. والعشيقات الحيارى؟
أين من كان يسمى بالجنون في متاهات العيون؟
ترسم الألوان أطياف المحبة كابتسامات حزينة
تغمر اللحظات حيناً, ويذوب ا لود فيها والحنين
كيف ضاع الحب في العين وتاه؟
كبريق يسحر الكون رؤاه ثم يمضي يسرق الأحلام منا والحياة؟
مجموعة أسئلة عن مجنون ليلى وليلاه.. وعن مجانين ليالينا وليلهم.. كان للحب مذاق وأشواق ترقى إلى درجة جنون العشق.. واليوم الحب يتكئ على عكاز هزيل لا يملك اسناده وحمايته من السقوط لأنه عشق جنون.. والجنون فنون..
«نداء المدى» صوت بعمق الأنين الذي احتواها.. راحت تفكر فيه مستعيدة ذكريات السنين بكل رؤاها وأطيافها:
أفكر فيك، وطيفك يضفي يملئ الندى
واشعر أنك جد قريب، أنادي تجيب
هذا كان شعورها ومشاعرها نحوه.. إلا أن بعضاً من حيرة سكنت وساوسها:
أم أن ندائي بعيد المدى, وصوتي غريب؟
يحتمل كل الحالتي.. البعد والغرابة..
شاعرتنا ليلى ترقب بحنين قدوم جنينها.. ولا أغلى من هدية.. ولا أحلى منه عطية.. يفيض من مشاعرها كأم تقول:
لو كانت لغة الحب أن تختصر الكلمات
لصرخت بوجه الحزن، ونفضت غبار الماضي
وأضاأت عيون حبيبي القادم من فجر الأحلام
فبقلبي ومض الحب ينبض في كل شراييني
ولقلت أحبك ألفاً ألفاً لكني يا عمري الآتي
لا أجد كلاماً يف قاموس الكلما..
كلمات حبك استغرقت المفردات من باب ما قل ودل. ولم يطل فيمل..
بعد اشراقة الأمل القادم وقد تغنت به إلى درجة الهيام نصطدم معها على واقع جديد ومفاجئ لأمل مخنوق..
لا تقيد مني القلب، فقلبي اليوممات
ولم القيد المضني قد سلته الامنيات!
عاف كل الناس، بل عاف الحياة!
لم كل هذا العياف.. وأطياف الحب على مشارف الأفق تلوح؟!.. هل أن حبها مجرد وهم.. ومحض سراب؟! أم أنه الهجر والبعاد؟
لست أرضى الوهم, إن الوهم في الدنيا هلاك
إن ضناني الشوق. والنجوى لتلك الأمسيات
فترفق بمعنى ضاع في بحر هناك..
من شبح ضد التيار ابتلعته اعماق الأمواج.. الحب أبداً لا يعمره هجران.. ولا يستقيم ويستديم على شكوك.
بعيداً عن العاطفة وبعيداً عن العاصفة أيضاً فجر هذه المرة على شراع نجدف بمجاديفه دون قلق.
حذار نمو المحبة تحت سيوف المخاطر
حذار انبهار العواطف. وعمق العيون السواحر
المحاذير تتوالى.. كلام الجفون.. ولغة الدموع الخادعة. والمغامرة.. والغدر أخيراً..
ولكن أقول حذار محبة من كان غادر
بين السراب. والصواب خط فاصل لا ألفة فيه ولا محبة.. انه الحاجز ما بين العلم والوهم..
يا حبيب القلب قد أغريت قلبي بالأماني
ومضى العمر وتيد لخطو خفاق الجنان
أملي ضاع.. وحبي وحناني كلما..
لاحت لعيني ومضة ذات كياني..
الومضة جاءت كاذبة كبريق السراب يحسب الضمآن ماء.. فإذا به نذير ظمأ.. عندها يصوم الحلم بحائط البؤس واليأس.. تريده.. ولا تريده.. تحب أن تراه ولكن على مسافة قريبة.. هذا هو خيارها واختيارها..
كن شعاعاً كن بريقاً.. وابتعد عني قيللا
لتكن طيفاً جميلاً ساهراً. أشتاق وعدك
باكياً اشكو لهجرك.. كن محالاً. كن ظلالاً
أرتجيه في الخيال دون قرب أو وصال
هكذا الحلم الرومانسي يرفض الواقع بصدماته ويتمسك بالخيال السارح الفاصل بين العلم والحلم.. أي عالم الأمنية التي ما برحت تحتل مكانها.. ولدت (يارا) من أجل ياراً عزفت لها فيثارة الحياة شعراً ومشاعر.. تجربتها.. كيف بمولودها استسعت مساحة الدنيا في عينيه.. سمو سماء.. وعلو فضاء.. ويقين يكبر.. بها.. ولها.. ومنها.. وإليها تشدو وتفكر
أنت يا رديفي سر هو من روح الإله
لم أدنسك بذل.. أو أحملك شقاء
في دجى خاطرها ينبع الهام تشدو به لأعز الناس على قلبها تصوغه شعراً ونثراً كعقد ثمين لا يدانيه عقد.
لك وحدك حبي.. وأيامي
بل سيل الدمع بأجفاني
سطر يغفو لتراك الروح
برؤاه جدد احزاني
نتطلع إلى براءة وجهها.. إلى عينيها الشاخصتين.. إلى حلمها وأملها الذي لم يولد بعد.. إلى بعضها الذي بدونه تبدو ناقصة:
يا وحي الخاطر روني
كي أكتب حبا يضفيني
كي أنشد لحناً ارقيني
يا عمري داخلي أوقاتي
تاهت ذاكرتي وروائي
ما بين الحاضر والآلي
وما أخال ذاكرتها الا ذاكرة.. تجهدها الذكريات التي لا تعود..
ولأن الحياة غياب.. واياب.. استرجاع ورجوع.. فإن حلم لقاء جديد داعبها..
أو حقاً سألاقيك غداً يا فرحة عمري يا أحلامي الوردية؟
أختارت لغتي إذ جاش الشوق على شفتي
فصمت وتهت مع الأفكار انادي عليك
وأطلم لحظات العمر معك ابحث عن كلمة
تختصر كل الكلمات وتعبر أكثر بل أكثر
ما وجدت عيناي سوى قلبي.. أهديك القلب فهل تقبل؟
شحنة من العواطف الجياشة تتدافع داخل وجدانها فيه الأمل وفيه الخوف.. ومعه انتظار طويل امتد به الصمت..
الحب احساس دفين يطرق القلبعلى غير ميعاد.. وعلى غير رؤية.. ربما بانطباع لا إرادي.. وربما بسماع له قوة المشاهدة.. أليست الأذن تعشق أحياناً بسماعها؟ ليلى القرشي أحبتها قبل أن تراها.. ربما عن غياب.. وربما استشراف لاياب منتظر.. أو مجيئ منتظر:
أحببتها قبل أن اراها
بخافقي.. وخافقي يراه
لما رنت للنوم مقلتها
بخاطري تضيء وجناتها
ترى من تكون تلك القادمة الجديدة التي بثتها الشوق؟
قيل لي: وما اسمها. ما شكلها؟ لعلها في شكلها مشبهة اباها؟!
فقلت: لما اراها والنور في شذاها واسمها نوراً. والقلب كم نادها
احببتها من قبل أن أراها
بخاطري وخافقي وناظري أهواها.
إنها المولودة الجديدة (نورا)..
ومن القادمة الجديدة إلى حكاية قدر لم تستبن لنا بعد معالمه.. ولا عالمه.. بعد.. يمكن اختزاله في هذين البيتين:
قالت: هو القدر الذي يجني ثماره
وكما يريد نسير لا كهوانا..
بعض ملامح الصورة غير المكتملة..
أعطوني شاعراً لم تأخذه الغربة.. لم توحشه الوحدة.. لم تطوِّح به الأيام والأعوام بعيداً بعيداً إلى ما يشبه المنفى الاختياري. بل والقسري.. حتى غربة الحب لها سياط كاوية لا يقوى الجسد على تحملها.. وحرارة وقع إيقاعها.. ماذا عن غربة شاعرتنا؟!
وطئت خطواتي المجهول من أقصى الشرق لأقصى الغرب
هربا من نار الأشواق لينام السهر المشتاق
يا أملي الضائع، يا حزني الأبدي..
يا أغرب حب يرتاح بأحلامي وتدغدغ أذني همساته
ما كانت تمضي اللحظات إلا لنسائم صيف، وسود الصمت
ويخيم في العينين ظلام، وشتاء البعد يطويها النسيان
لم تعد غربة مكان.. فالعالم قرية صغيرة.. إنها وحدة وجدان تتصارع داخل إحساسها بالمنفى.. إن للحب زنازين ومساجين ومساكين وسجانين.!
هذه المرة حزمت أمرها.. قررت الرحيل.. لم تعد تخشى المكان ولا الزمان ولا السجان..
أضمدت جرحي لأرحل سأختفي من حياته
حبي يأمر بأن أصون وداده
هكذا رأت البُعد عنه راحة لها وله.. رغم الماضي الليالي الطويلة.. والجروح التي ما إن يتعافى منها جرح حتى يعقبه جرح.. ومع هذا:
أشعل النار جمرا.. سأسكب الدمع نهرا
واضمد الجرح وأرحل.. واختفي من حياته
هذا قررت أن تتعالى على جراحها.. وأن تدعه دون أن تجرح لها وله أي كبرياء..
لا يشغل عقل المرأة أكثر من حبها.. ولا شيء يشغل بال الرجل أكثر من امرأة تدين له بالطاعة وفي حدود الاستطاعة.. وبين الاثنين تتبدل المواقف وفق قدرة العواطف على رسم خط المسار الحياتي.. أحيانا المرأة هي الأقوى.. وأحيانا الرجل.. ولغة التخاطب دموع قوية للمرأة ساعة ضعف.. وهياج للرجل لحظة غضب.. وقليلا ما يكون بين الاثنين أدبيات تمسك العصا من منتصفها.. الرجل هذه المرة لم يستخدم في عِراك معركته سلاح سطوته.. وإنما كلمة رجاء.. هل أن الرجاء وحده يجدي؟!
قال لها بعدما أمضت في الهجر مستعطفاً
قلت ابتعد.. أنكرت من صانوا عهود هواك
وأنا الذي عشت الهوى بسكينة الشاك
وطويت عمري كله.. ورجوت نيل رضاك
ولأن لقاموس الحب سياسة كسياسة معاوية.. إذ أرخوها شدها. وإذا شدوها أرخاها.. وبعد أن شدتها حوَّلها سياسة الرجاء:
اذكري عهد الهوى.. عودي لعهد صباكِ
لا تحرميني نظرة أروي بها ظمئي وتسعدني بها عيناك..
الرجاء.. ولا جواب منها.. ربما منطق التراجع يسمح لها بأن ترجع..
أخيراً مع شاعرتنا ليلى حسن قرشي وكلاهما شاعر.. شاعر كبير رحل.. وشاعرة استغلت رحيل والدها بالكثير من الموجع.. ولوعة الفراق، وبالأشواق التي تطفي على مساحة الحزن رغم اتساعها.. ونحن معها نترحم عليه ونذكره بالخير ونذكّر به.. أما هي فقد ذكرتنا بالغد وما أدراك بالغد المشحون بالغدر والقطيعة..
لا.. لن أقول عراني ذهول.. أو أني حزن لبعدك غاصت خُطاي
غدا إن أتيت بفرحة طفل بعيد سعيد
غداً إن أتيت ببسمة درر وعمر جديد
غداً إن أتيت وطاف بروحك حبي العنيد
ستذكر أن هواي احتضار.
وإني أحب بعمق النهار.. وإني أحب بكلي
ولا لن أقول عراني شحوب.. أو إني حزين
أو إني ببعدك غاصت خطاي
أغدو بعيدا كبعد السماء
وأمسي لقلبك مثل الفضاء
تنادي.. يردد صوتك وقع صداك
وتخطو. وتبعد عني خطاك
غداً إن أتيت سأرحل قبل السحر
غداً إن أتيت ستلقى فؤادي الأمين غدر
وتسأل عني، وتعرف أن هواي احتضار
هكذا جاء رسم الصورة رمادي.. اصطفته شاعرتنا كحالة لا مفر منها في عالم جنون حب.. وحبه جنون.. وخطابه خطب.. وساحته معركة.. ومساحته عاطفة كالعاصفة تهدأ أحياناً وتثور أحياناً تحت عنوان ما يعرف بالحب.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض ص. ب 231185الرمز 11321 فاكس 2053338