كانت هي وارفة سامقة عظيمة (جامعة) أصبح لها ظل ممتد يراها الجميع عن بعد راقبها بن علي الصماغ وهي تكبر وتطول، بل سقاها بيديه أحياناً من ماء قلبه وفضلها على نفسه في أوقات كثيرة عصيبة بن الصماغ هو مثقف متابع لديه راديو منذ القدم ويقرأ الصحف ويأتي بالكثير من الكتب لمعظم كتاب عصره يقرأ منها جميعاً دفعة واحدة لكنه استوقفه ابن المقفع والجاحظ، وشاهد تلك المخلوقات التي كان ابن المقفع يتكلم نيابة عنها ثم قرأ حمزة شحاتة (وشجرته التي قالت لأختها) كان بن الصماغ يتمدد تحت ظل تلك الشجرة ويتابع رحلة مجموعات النمل الرائحة والعائدة بشكل منظم ويتعجب ويسأل من الذي يرتب هذه المخلوقات بهذا الشكل البديع، وعندما أدرك ذلك كان والده في ذلك الزمن الغابر يحمل فأسه ويذهب يقتلع الصمغ من جذوع الطلح لبيعه إلى المكتبات لتحويله إلى حبر يستعمل للكتابة كان يذهب مع والده الذي يحاول أن يتغلب على فقره، وكان هو يتألم بمتابعة تلك الجيوش الصغيرة وهي تمتص الرحيق من شجرته المفضلة التي جمعها في قلبه ووجدانه بأعوادها وأشواكها وأغلق عليها فؤاده كان ينظر بحسرة وخوف، ففي كل يوم يرى تلك الزواحف السرطانية التي تنخر في جذعه الذي اتحد مع جذع شجرته فأصبحا واحداً بل إنه يحس بالألم في وسطه في تلك اللحظة ويراقب ما تفعله هذه الحشرات المنبشة تحت قدميه وأمام ناظريه ويتألم وما يؤلمه أنها تعيش على خيرات هذه الأشجار المزروعة والمغروسة في لحمه وعقله ولا يستطيع أن يحرمها لأنه في حياته وطفولته رفض أن يصطاد ولو عصفوراً أو طيراً ملوناً يلهو به مثل أطفال القرية فكيف به يهاجم مخلوقات عديدة ملونة الألوان والطباع هو يدرك سوء طوية الكثير منها ويدرك أنها تنهش الأقدام، والأصابع وتعض من يحاول مساعدتها وقال لنفسه يوماً: هذا طبع اللئيم أما هو فلا يسيء لنملة فكيف أمام هذه الجيوش الجرارة من الحشرات السامة واللاسعة كيف يتعامل معها وهو يراها تكاد أن تؤدي بحياة شجرته المفضلة والتي أصبحت مظلة لكثير من عباد الله والتي سقاها ماء قلبه وعينه. هاهو يراقب حركات تلك النميلات المملوءة بالمكر ويتابع مخالبها وهي تحفر تحت ظله المفضل وملاذه الدائم لكن هذه الأحداث لا تفقده لذة المتابعة لهذه العناكب والحشرات والديدان وهي تدور حول جذعها تقرضه تارة وتعرشه مرة وتهرب وتقترب منها مرات كلها في حركة دائمة وهو المتابع الساقي لمحبوبته وظل قلبه السامقة ويقول في نفسه: يا ويلهم يأكلون منها ويعقونها بهذا الشكل، انظر إلى الحمل اللئيم الذي تربى في كنفها كيف هو (يطحس) برجليه حولها للبحث عن ثغرة في جذعها وقصده العض والإساءة لا العمل الممسرح، أو ذلك القط المطعوج من النعمة لقد عاش تحتها أياماً وليالي كان بن الصماغ يعطف عليه كان مثل السرو وقد (ربرب) اليوم وانتفخ كما ترى!!
وتتالت أمامه مناظرهم حيوانات بن المقفع بكل ألوانها وأطيافها حتى ذلك (البرصي) الأبيض البازغ بعينيه وأنفه المرفوعة على طريقة النفخة الكذابة لقد عضها ثم سقط تماماً.
لقد وصل أخيراً لأنه بعدما شاب هدب عينيه نال نصيبه بين الثيل النابت يا ابن الصماغ تحت شجرتك المفضلة لكن مسكين ذلك (الضب) المرعوب من أفعاله القذرة ستكون نهايته تسحيب (بطينه) في الصحراء على البحر الهائج!!
أما بقية سكان محمية الجاحظ وابن المقفع فهم حوسة فقد غرهم (أبو هيله التمساح) هكذا سماه لأن في فمه ثمرة هيل يلوكها دائماً لطرد رائحته الكريهة لقد عمد هو إلى محاولة خلق مهابة مفقودة بذلك التكوير من الشعر الأسود الذي أحاط به وجهه للتمويه وأصبح يشبه راسبوتين، لقد قرب الأحباب وهم بدورهم قربوا الأصدقاء (الطيعين) وهم يسلكون بهم كل السبل هم يدورون وهو يدور خلفهم أسراب من النمل والقوارض أعجب ابن الصماغ بالحركة وتذكر كيف كان أهله الأخيار قد بنوا تلك الصروح كانوا يحفرون الآبار ويبنون بيوت الطين عمالة تمسك بعضها البعض من الكثرة والوفرة ثم ينجز العمل ويرتفع الحائط أخضر جذع النخلة في بساتين والده في السويدي والبديعة والمنقع والشمالي تذكر ذلك كله وهو يشهد قافلة ابن المقفع وهم يعتلون جذع النخلة المنخور الأدغم والأدهم فقد احترق في الدوغة التي أحرقته بعد شويه بالنار مع بعض الجص للطلاء تبقى حيوانات صغيرة في جذع شجرة ابن الصماغ يراقبها بلذة وبلمحة منه راقب قردا صغيرا جداً (مجاورا) يتقافز من مكان لمكان (يهرهر) على روحه ويدعي أنه منتج الروائع وهو يسبح في الروث لكنه إذا طبل الطبل رقص وعينه على قرد مثله يهم به هذه بغيته يا الله من حالة إزاحة بن الصماغ عن طريقه كما جلبه يوماً عطفاً عليه واحولت عيناه وزاغ بصره كمن أضاع خطوته وتحول ذرة دبقة تحت الأقدام كلما طلعت على هذه الشجرة الباسقة سقطت وانقلبت على ظهرها فماذا يفعل الصرصار إذا انقلب على ظهره لا أحد ينفعه بل يأخذ يدور حول نفسه لقد ساعده ذلك التيس الأجم يوماً وأحضر له حجارة منمقة لرجم تلك الشجرة الباسقة.. لكن سنده لم ينفعه بل الأصقه اللستي فعل أكثر وسقط! وعاد من جديد فأخذ (يبعبع) وهو يطارد أغنام مغرب البلاد وشرقها قال ابن الصماغ ليتك تدخل في جحرك وتعود في مكانك وتجمد ليتك مثل ذلك السعلو الذي يسقط في درجات جذعها من لذة الفاكهة التي امتص رحيقها عندما جاء ذلك الضرير متعثراً في أطراف ثوبه ورفعه ابن الصماغ بكفه المرتعشة إلى الثمرة وتكور داخلها وأخذ يبرح له ولبعض الأغيلمة من أترابه من الزواحف (في قيعان المرقب) والديدان الجائعة فكان ما كان!
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض