تفاجأت إذ رأيت كتابين في مكتبتي تتوسط كلا منهما علامة وقف القراءة، استغربت كيف تركت كتابين في منتصف قراءتهما دون إكمال، وهذه ليست من عادتي، غير أني لما سحبتهما وقرأت عنوانهما تذكّرت لماذا تركتهما ولم أكملهما، وهما لمؤلِّفين كبيرين في الأدب والإبداع، الأول في أدب الرحلة ولن أذكر اسمه، والثاني رواية لروائي شهير، على شكل رسائل بين بطليها؛ الأول أبهرني الوصف في الصفحات الأولى حتى جاءت مرحلة الخمول العقلي في منتصف الكتاب، إذ استرخى فيها ذهني من استمرارية الوصف والإطالة فيه على جماله الذي يفوق كل لوحة فنية تحوي أجمل المناظر الطبيعية؛ فاحتاج إلى المغاير وتطلّع إلى مفاجآت وأحداث واستفزازات تعيد إليه شد الانتباه، لكن المؤلِّف يستمر في الوصف الذي يجيده والذي هو ركيزة أدب الرحلة، فلم تتقبّل نفسيتي في الآونة الأخيرة هذا الأدب إلاّ في مقادير محددة من الصفحات - صفحات أي كتاب في أدب الرحلة -. الثاني رسائل شكوى واعتذار وعتاب من البطل إلى حبيبته، وهي كذلك ترد بالمثل، رسائل مكتوبة ببراعة أسلوبية، وبلاغية دقيقة كأنها نماذج لكيفية صياغة الإبداع والجمال والفن، مع تنوُّع مستوى لغة الخطاب في الرسالة الواحدة من حواري ووصفي وسردي؛ إلاّ أنّ ذهني احتاج فيها أيضًا إلى التجديد بمفاجآت وصراعات وأحداثٍ تنشِّط حماسي وتعيد الحيوية لنفسي الملول، وتَحفِزني إلى مواصلة القراءة؛ لكن لا أمل في هذا المؤلف فتوقفت عن القراءة.
أما الآن فأغلب الكتب الإبداعية في مكتبتي تقف علامة الوقف بعد عشرات الصفحات منها، صرت لا أستطيع إكمال رواية أو ديوانِ شعر، أو مجموعةٍ قصصية، أو مسرحية، أو أدب الرحلة؛ بسبب النمطية في الكتابة، وإيقاع الوتيرة الواحدة في الأفكار، بالإضافة إلى أنّ الإبداع صار يكتب بالأيدي والأرجل؛ فالكتابات الرديئة دمّرت الذائقة التي كوّنتها وطوّرتها منذ سنين - والذائقة القرائية لا علاقة لها بالذائقة الكتابية، فليس شرطاً مَن يتذوّق قرائياً، يجيد الكتابة وإلاّ صار النقّاد أعظم المبدعين - فكان لي خياران؛ ترك القراءة الإبداعية والاكتفاء بالكتب المادية، أو البحث عند بديلٍ قرائيٍّ للإبداع، خاصة أنّ الاكتفاء بالكتب المادية يجفف الروح ويصلب الطبع؛ فكان والحمد لله أن وجدت العوض في قراءة أخرى أرجو ألاَّ أملّها؛ قراءة عادات الشعوب، والأديان، وكتب التاريخ، فهي بحق كتب مثيرة ومدهشة وغرائبية ومشوقة ومستفزة ومبهرة.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 7712 ثم أرسلها إلى الكود 82244
القاهرة