تنتابني حيرة، منذ فترة طويلة، حول المقالات الثقافية المنشورة في الصحف.. التي لا ينتظمها موضوعٌ محددٌ أو قضية معينة لتأتي على شكل سلسلة من مقالات.. بل أقصد المقالات المتفرّقة، التي يستقلّ كلّ مقال منها عن غيره من حيثُ المناسبة أو الهدف.. فهل مثل هذه المقالات تستحق أن تجمع في كتب؟
طيلة مشواري مع الكتابة لم أعتن إلاّ بجمع قصائدي الشعرية، فقط، لتصدر في دواوين.. بعد نشرها الأوليّ في بعض الصحف، ذلك لأنّ الإبداع يبقى ما بقيت اللغة والذائقة.. ولكنّ المقالات مسألة أخرى.. فالمقالة الصحفية - وإن كانت ثقافية، أو حتى عميقة ثقافياً - فهي قد كُتبت لتُنشر في وقتٍ معيّن، وحول ظروف ووقائع وأحداث معينة، مما قد يفقدها بعض أهميتها حين تُقرأ في كتاب يجوب العالم ويبقى لأزمنة بعيدة..
تزداد حيرتي تلك وأنا أتصفح الآن كتاب (عروبة اليوم - رؤى ثقافية) والحقيقة أنني لو لم أتقابل مع الدكتور عبد العزيز السبيل - مصادفة - في معرض الكتاب المنتهي مؤخراً في الرياض، وتكرّمه بإهدائي نسخة من كتابه الصادر حديثاً عن دار المفردات.. لما كنتُ قرأتُ مقالاته المنشورة أساساً في الصحف - وبعضها كان منشوراً هنا في الثقافية - رغم حرصي على متابعة الصفحات والملاحق الثقافية محلياً وعربياً.. وتلك مشكلتنا مع المواد الثقافية المنشورة في الصحف، ننساها بمجرد صدور الصحيفة بعدد جديد يحمل لنا غيرها!
ولمكانة الرجل عندي، رغم عدم وجود علاقة بيننا تتجاوز الشأن الثقافيّ.. ولأنني كنتُ أتهيأ لسفر لن أعود منه قريباً، لم أجد بدّاً من حمل كتابه في حقيبة سفري إلى خارج المملكة، حتى أتمكن من قراءته على مهل..!
هنا إذاً أدركتُ جدوى كتابٍ يجمع فيه الأديبُ مختاراتٍ من مقالاته، ولكني في الوقت نفسه أصبتُ بنوعٍ من ال (ليتَ أنَّ) أو (ماذا لو)!
نعم صحيح، أقولها رغم تقديري للرؤى الثقافية والتجلّيات الفكرية والحرفية الأدبية التي شكلت مواد الكتاب، ورغم محبتي وإجلالي لمؤلفه، أقول: ليتَ أنَّ العنوان لم يكن مقولباً ومسبوكاً سبكاً فولاذيّ المعاني والأبعاد ك(عروبة اليوم)..!
وعندما قرأتُ في الكتاب مقالة على درجةٍ كبيرة من الأهمية عنوانها (ثقافتنا والعصر) قلتُ كمن قال وجدتها: ماذا لو كان عنوان المقالة هذه هو عنوان الكتاب (ثقافتنا والعصر)..؟!
الواقع أنّ الكتاب مطبوع ومنشور الآن.. ولكنّ من حقّ الدكتور السبيّل، وهو المتسائل في مقدمة كتابه ( هل تستحقّ هذه الرؤى إعادة الطرح ثانية في كتاب؟) والمنوّه كذلك ( يبدو أنه قد تم إقناع صاحبها بالنشر).. أقول: من حقه إذاً أن يأخذ فكرة عن الأفكار التي كانت تحوم حول كلّ مقالة قرأتها في كتابه (عروبة اليوم) فمثلاً، ما الذي يربط بين مقالات هذه بعضُ عناوينها:
- رسالة إلى غازي القصيبي (وهي محاكاة لإحدى قصائده) منشورة عام 1981
- الجنادرية والحوار مع الآخر، منشورة عام 1996
- شعر التفعيلة بين الحازمي والحميدين، منشورة عام 1999
ومقالات أخرى متنوعة مثل: المرأة والتحولات الاجتماعية، الترجمة وخيانة النص، 11 سبتمبر، المكتبة العامة، رحيل نزار قباني.. ومقالات عن: عزيز ضياء، أبو مدين، عبدالله عبدالجبار والتيارات الأدبية.. وفؤاد سزكين.. وحوار (صحفي) ثقافي مع المؤلف.. الخ
وقد ذيّل المؤلف كل مقالة (أو مادة) بتاريخ ومكان ومناسبة نشرها، مما أظهر التباين جلياً.. أقول بعفوية لا تنقصها المسؤولية: ما الذي يربط هذه المواد ببعضها؟ إن قلنا (عروبة اليوم) فسنكون مجبرين على تحليل ما ترمز إليه الكلمتان، فإذا العروبة: انتماءٌ وولاءٌ، فما المقصود باليوم؟! إنها مسألة شائكة تحتمل عدة أوجه لا تحتملها مواد الكتاب، لهذا أرى وبشدّة أن عنوان رابع مقالات الكتاب (ثقافتنا والعصر) هو العنوان الأكثر مناسبة للكتاب كله، ولو انه تصدّر الغلاف لكان على انسجام تام مع كل مقالات الكتاب التي تتناول ثقافتنا العامة في عصرنا الراهن.. وسأتوقف قليلاً عند المقالة المعنونة (ثقافتنا والعصر) وهي منشورة في إحدى الصحف المحلية عام 2000 قبل أن يضمها هذا الكتاب، يفتتحها المؤلف بقوله: (أسئلتنا الثقافية تمتد باتساع الأفق، بحثاً عن واقعها ومستقبلها، أما العصر الذي نريد أن نربط حديثنا به فلعله أكثر اتساعاً)..
وأنا أرى أن هذه العبارة كانت تصلح أن تكون مفتتحاً للكتاب بأكمله..!
ختاماً أقولُ: هو كتابٌ جميلٌ لرجلٍ أجمل، وإن كان عنوانه (عروبة اليوم) فيكفي أن مؤلفه هو د. عبد العزيز السبيّل (المسؤول الذي نذكره بكلّ خير، والمثقف الذي نعتزّ به) وما طرحتُ ما طرحت إلاّ لكوني أنا أجد حيرة كبرى تتصدى لي كلما فكّرتُ في جمع مختارات من مقالاتي (الثقافية - المتنوعة) ومكمن حيرتي هو (العنوان) الجامع لكل المقالات منتظمةً في سياقٍ منسجمٍ مع المضامين، ولعلّ الدكتور السبيل لديه الكثير من المقالات المنشورة في الصحف، والتي تنتظر دورها لتصدر في كتب تجاور كتابه هذا، لذا أحببتُ أن أشير إلى هذا الجانب الأبرز من كلّ كتاب (العنوان) فهو الذي سيظلّ في الواجهة دائماً..
ألسنا نقرأ الكتاب (من عنوانه)..؟!
بيروت
f-a-akram@maktoob.com