رغم تماثل لقبيْهما فهما لا يتصلان بقربى دم، وهذه إشارةٌ لا بد منها بعدما باتت الكتابةُ لوجه الكلمة مشوبةً بمصالح وعلائق، بل إن المُمضى عنه (وكان وكيل وزارة المالية للشؤون الاقتصادية) قد وقف في طريق الممضِي زمنا حين شاء الانتقالَ من مصلحة الإحصاءات العامة لمعهد الإدارة فعطل المعاملة أشهرا -بناء على توصية المصلحة فيما يبدو- وإذْ راجعه تعلل –بين أمور- بتشاركهما في اللقب كيلا يحسب عليه نفعُ قريبٍ، ولم تتح المسافة بينهما أن يطيل، ثم تدخل الرجل الأجمل بل الرجل النسمة والبسمة والمطر الأستاذ (محمد الإبراهيم الدريس - عليه رحمة الله-) فأعتق أوراق «باحث الإحصاء» المعتذر قبلا عن الإعادة في جامعة الإمام ليصبح مساعد مدرب في المعهد، وكذا يشاء الله لنا حَلاً ومرتحلا.
لعل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي هو أول من وصف منهجه الإداري ب«البلدوزري»؛ فهو يرى هدفه جيدا فيمضي إليه غيرَ عابئٍ بالعوائق والمطارق، وحين أحس أن « الجامعة لن تبقى على القمة التي اختارها لها قدم اعتذاره ومضى إلى بيته وهو في أوج عطائه (سبعة وأربعون عاما) وخسرت الإدارة قائدا ندر مثيله: صدقا ونزاهة وقوة وعطاء، ذا فكر مستنير يعرف أين يقف وإلى أين يسير.
كانت محطته الأخيرة هي محطتنا الأثيرة ؛ فجامعة الملك سعود تشهد أنه جند كل إمكاناته وعلاقاته لنقلها من مبانيها المتناثرة إلى حيث تشمخ اليوم في سماء العاصمة، وابتدأ مشروع التغيير والتطوير الذي يُجمع شهود المرحلة ومتابعوها أنها كانت الفترةَ الأخصب، ومن أجل الجامعة، وحفظا لاستقلالية قرارها دخل في تحديات كبيرة، واصطدم مع مواقع متنفذة، ثم ترجل بطواعية من كرسي إدارتها كيلا يُكتب في تاريخها أنه رضي لها الدنيَة والدونية.
يؤثر عن أبي ريان المرونة والجرأة وفهم روح النظام لا حفظ حروفه، وفي زمنه أنشئ فرع القصيم بكليتي الزراعة والإدارة، وافتتحت كلية الطب بأبها، وعينت أول عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات، وأسس مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر، وكليتا العمارة والتخطيط وعلوم الحاسب الآلي والمعلومات، وازدهر البحث العلمي، وكونت لجان «ثلاثية» من أعضاء هيئة التدريس لمناقشة كل الموضوعات دون قيود ورفع توصياتها إليه مباشرة؛ ما كان له أثر فاعل في لجم البيروقراطية الأكاديمية.
الجامعة حياته رغم أعماله الأخرى ؛ فقد غادر مقعد الدرس فيها (1963 م)، وعاد إليها « دكتورا « فدرًَس فيها وصار وكيلا لكليته التي تخرج فيها (التجارة) ثم مديرا للجامعة كلها على مدى أحد عشر عاما (1979-1990م)، وخلال هذه الفترة زاول أعمال المستشار الاقتصادي بوزارة المالية، ونسق أعمال اللجنة السعودية الأميركية المشتركة للتعاون الاقتصادي، وتولى وكالة وزارة المالية، كما أسهم بعضوية مجالس صندوق النقد الدولي والمجلس الأعلى للبترول وسابك والصندوق السعودي للتنمية وبترومين وجامعة البترول والخبراء الاقتصاديين العرب في الجامعة العربية، وسواها ؛ ما يجعلنا أمام تجربة ثرية لا تكاد تتكرر في طولها وعرضها وعمقها ومبدئيتها ونجاحها.
تجاربه التأليفية قليلة ؛ فله كتابات في النظرية الاقتصادية والاقتصاد الإسلامي والإنتاج الزراعي، كما أن لديه - إضافة إلى شهادة الدكتوراه من جامعة (كولورادو) دراساتٍ تخصصيةً في الإدارة والتسويق.
الدكتور منصور بن إبراهيم العلي التركي (1943م- المدينة المنورة) يعيش حياته الهادئة الهانئة بين الرياض والمدينة المنورة ؛ فلا يُرى إلا هاشا باشا فاتحا قلبه و باب بيته، مثلما كان مكتبه بلا سكرتير ولا حاجب يحول بينه وبين أستاذ أو طالب مع سرعة وثقة حين اتخاذ القرار، وفي جلسته شبه اليومية يُنصت وحقه التكلم ؛ فنتساءل بأسى: عمن حقهم القول دون أن يقولوا ومن يقولون وليتهم يسكتون.
الإدارة رجل.
Ibrturkia@gmail.com