أتحفنا الأستاذ الدكتور عبدالعزيز التويجري بمحاضرة قيمة عن التحريف والتصحيف ألقاها يوم الخميس 5-7-1431هـ في مركز حمد الجاسر الثقافي، وأثارت المحاضرة جملة من الأسئلة ونالها من المداخلات ما أضاء جوانب من قضاياها، وذهب غير مداخل إلى أن التصحيف نال بيت العباس بن مرداس:

أَبا خُراشَةَ أَمَّا أنتَ ذا نَفَرِ

فإِنّ قومِىَ لم تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ

وأن صوابه:

أبا خُراشةَ أَمَّا كُنتَ ذا نفرٍ

فإِنَّ قومِيَ لم تأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ

والقدماء على اهتمامهم وعنايتهم بذكر ما ناله تحريف أو تصحيف يثبتون لبيت العباس هذين الإنشادين، وينسبون الأولى إلى سيبويه؛ لأنه جاء في الكتب (1: 293)، وأما المحدثون فقال بالتصحيف رمضان عبدالتواب رحمه الله، وهو من المشتغلين بالتحقيق، قال لى إن الكاف من (كنت) ظهرت في المخطوطة كالألف؛ لأن الكاتب لم يقوسها تقويسًا كافيًا، فانتصبت شيئًا فصارت كالألف وفصلت عن النون، ورسم الكاف القديمة كاللام غير أن قائمها مقوس إلى اليسار، ولذلك رسموا الكاف النهائية وفي حوضها كاف صغيرة تميزها عن اللام. وهذا الذي ذهب إليه رمضان وتابعه فيه المداخلون خيال لطيف؛ ولكنه لا يثبت عند النظر والتحقيق، ومن يعرف سيبويه ويعود إلى الكتاب يتبين له الأمر؛ فسيبويه يعتمد على السماع في المقام الأول، وهو من أكثر اللغويين استفسارًا عن المشكل من المسائل والنصوص، ولا أحسب سيبويه لا يعرف الإنشاد الآخر للبيت وقد جاء في (العين)، وأهم من ذلك كله أنّ البيت لم يعقد عليه باب النصب على تقدير حذف فعل بل الباب معتمد في المقام الأول على أقوال العرب، وكان سيبويه واضحًا في نصه على سماع ذلك، قال: «سمعنا رجُلا منهم يَذكر رجلاً فقال لرجل ساكتٍ لم يَذكْر ذلك الرجلَ: مَنْ أنتَ فلانًا. ومن ذلك قول العرب: أَمّا أنتَ منطلقًا انطلقت معك، وأَمّا زيدٌ ذاهبًا ذهبتُ معه»(الكتاب، 1: 293). فهذه أقوال لا يمكن أن يقال عنها إن التصحيف نالها، وأما قول العباس فضمه سيبويه بهذا الإنشاد إلى أقوال العرب التي ذكرها فهو كالفضلة، وإنه ليس من السهل القول بأن هذا الإنشاد كان تصحيفًا في ذلك العهد القديم المعتمد في المقام الأول على المشافهة، والراوي هو من أطبق الناس على اتصافه بالأمانة والضبط.