جزى الله أخي وزميلي الأستاذ عثمان بن محمد الضويان خيراً، فقد تسبب في وقوفنا قبل عامين أو أكثر على (الوعبة) (مقلع طمية) 90 كيلا شمال المويه، وكذلك بعض برك درب زبيدة الذي ألف عنه د. سعد الراشد كتابه (درب زبيدة)، كما ألف عن (الربذة).
وفي هذا العام 1431ه قبيل منتصف شهر جمادى الآخرة، عزم أبو محمد على رحلة للحصاة والهضب الذي به الدخول وحومل فتفضل بدعوتي للرحلة. فخرجت وهو وأخوه الشيخ خالد الشاعر الراوي من الرياض، وانضم إلينا قبل رويضة العرض الأساتذة أخوه عبدالله بن ضويان، ومحمد بن سعد بن يحيى، ومحمد بن خالد بن ضويان، وأبو إبراهيم البليهي، فسرنا في الطريق الذي يتجه للحصاة قبل الرويضة ب31 كيلا مكتوب عليه (الحصاة ولامار)، ومررنا على الحصاة وقراها ومراكزها، مثل قيران التي توقف الإسفلت بعدها في طريقه ل (جاحد).
إلى الهضب
أصبح الطريق ترابياً، ولكن بعض أعضاء الرحلة يعرفون هذه المناطق وخاصة عثمان ومحمد اليحيى الذي معه جهاز (قارمن) يدله ويدلنا، وقد نفعنا كثيرا، إضافة إلى أن أبا سعد سبق أن زار هذه الوهاد. ووجدنا الناس هنا يعرفون الدخول وحومل فقد سألنا من باب الاحتياط، ولنعرف هل يُعرفان.
الدخول
معلقة امرئ القيس بن حُجْر الكندي غير امرئ القيس التميمي صاحب (مرات) مطلعها (كما يعرف معظمكم):
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ثم:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
اتجهنا أولا ل (الدخول) وهو جبل كبير، يرى من بعيد، وبه غار كبير، اتقينا فيه عن الشمس وتغدينا ثم بتنا حوله.
إلى حومل
وفي الصباح ذهبنا لجبل قريب منه، فيه سد ترابي وآبار مصبوبة جوانبها بالإسمنت وفيها ماء لشرب الماشية وغيرها، وكنا نرى جبلاً صغيراًعالياً ظنناه (حوملا) ولكن (الشيخ.. القارمن) قال: إن هذا ليس حومل الذي تطلبونه، ودلنا على حومل الحقيقي الذي صوره مرة الأستاذ عبدالله بن سعد بن عبدالله السبيعي (بيشة) ونشر الصورة في المجلة العربية ووعد بتصوير الدخول إن طلب أحد منه ذلك، ولا أدري هل طلب منه ذلك وصوره، أو لم يطلب منه فلم يفعل.
سقط اللوى
بين الدخول وحومل أكمات من الرمل، لعلها التي ذكرها امرؤ القيس في معلقته.
معجم عالية نجد
وقد استطحبت معه كتاب الشيخ سعد بن عبدالله الجنيدل -رحمه الله- عن العالية 3 مجلدات صفحاتها (1390) وقد تكلم عن هذه الأماكن التي جاءت في المعلقة: الدخول، (حومل)، سقط اللوى، (توضح)، المقراة، وهذا المعجم ضمن سلسلة نصوص وأبحاث جغرافية وتاريخية عن جزيرة العرب، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر للشيخ حمد بن محمد الجاسر رحمه الله. ومن هذه السلسلة اليمامة - عبدالله بن محمد بن خميس، المنطقة الشرقية - حمد بن محمد الجاسر - القصيم: محمد بن ناصر العبودي ومعاجم أخرى لمناطق أخرى من بلادنا.
أبحاث الشايع
وبعد عودتي للرياض وجدت في مكتبتي كتاب الباحث الأستاذ عبدالله بن محمد الشايع (الدوادمي) (مع امرئ القيس بين الدخول وحومل) 1418هـ الذي كان يرى أن الدخول وحومل وبقية المعالم في الهضب، مثل الجنيدل والبليهد وغيرهما ثم تغير رأيه واستقر على أن الدخول وحومل وبقية المعالم التي ذكرها امرؤ القيس في مكان آخر، إنها في المنطقة الواقعة بين القصيم وحفر الباطن (كما فهمت من كتابه) قرب (قبه) و (سامودة).
صاقب
جبل قرب هذه المعالم، منفرد لوحده.
أم عنيق
جبل آخر منفرد، جاءته إحدى الشركات التي تقطع الحجارة وتحولها إلى بلاط، وقد شوهت جبال الصفرات وثادق وآذت مزارعي هذه المناطق بالغبار المتصاعد من أعمالها.
وأم عنيق أيضا جبل مطل على (جلاجل) في سدير، وفيه السامرية التالية:
عديت في أم عنيق مع فكة الريق
وهلّت دموع العين من شٍ حداها
وانا احسب أم عنيق تفرج عن الضيق
واثر الحظيظ اللي سلم ما رقاها
يا تلّ قلبي من علو المعاليق
تلّ المعيد اللي طويل رشاها
يا تلّته من بين عوج الزرانبق
من عيلم ما يلحق الشوف ماها
على عشير حرّق القلب تحريق
حبه جرح كبدي (مسكين) وحالي براها
فظن أبو محمد أن السامرية قيلت في أم عنيق الهضب. والواقع والصحيح والثابت والمؤكد أنها لجديع بن سودان العنزي الذي عاش في جلاجل فترة، وذكرها حميدان الشويعر (بيطار الأشعار). في قوله من قصيدة طويلة (59 بيتا) مطلعها: الأعمار ما يرجى لهن رجوع...
ان زالت أم عنيق يبقى ابن عامر
حريبهم ما يهتني بهجوع
(ديوان حميدان الشويعر - لكاتب هذه السطور) الطبعة الثانية 1417هـ ص123
والسامرية السابقة موجودة في ديوان السامري والهجيني لكاتب هذه السطور ص128 الطبعة الرابعة 1426هـ. وتشيلها فرقة روضة سدير بلحن جميل مع إيقاع الطبول الثابت الراكد المطرب.
القصيدة للشاعر محمد بن سعد اليحيى
وبمناسبة ديوان السامري، فقد عقب الأستاذ محمد بن سعد اليحيى حفيد الشاعر محمد بن سعد اليحيى بأن القصيدة المنشورة في طبعات ديوان السامري منسوبة للشاعر ناصر العريني ومطلعها:
رقدت أبي نوم ولا طاعت عيوني
دليت اهوجس وارفع الصد بيديّه
هي لجده محمد اليحيى وليست للعريني، وأنها ثمانية أبيات.. وها هي رسالته:
الأخ الكريم - محمد بن عبدالله الحمدان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم لقد اطلعت على القصيدة المنشورة في ديوان السامري والهجيني الصادر عام 1409هـ والمكرر نشرها في الديوان الصادر عام 1414هـ، والديوان الصادرعام 1426هـ الذي نسبت للشاعر ناصر العريني من أهالي الدرعية وعدد أبياتها أربعة والتي مطلعها:
رقدت أبي نوم ولا طاعت عيوني
دليت اهوجس ورافع الصيد بايديه
أود أن اوضح لك أخي معد هذا الديوان - محمد بن عبدالله الحمدان أن هذه القصيدة ليست لناصر العريني، وأن قائلها هو جدي محمد بن سعد اليحيى الملقب (الطويِّل) رحمه الله من أهالي بلدة (الشعراء) التابعة لمحافظة الدوادمي ونورد القصيدة كاملة وهي كما يلي:
1- البارحة سهر، ولا نامت عيوني
مغير اهوجس، واقرع الصدر بايديّه
2- مريت لي ناس بسرج يخيطون
ومشرع باب العنا للهواوية
3- طقيت بابه قال من؟ قلت انا ازّوني
قالوا غدا المفتاح والدار ممليّة
4- قلت احدروا حبل مع السطح وارقوني
تراي عند الباب، مالي عنه نيّة
5- إلا أن جفيتوني ترى الرزق مضمون
زلتك يا زين التعازيل مرفية
6- لا باح مكنونك ولا باح مكنوني
مالي بغيرك (يالغضي) شف ونحيّة
7- اشوف مضمونك واباعطيك مضموني
بالسر ما يدرون عنه العريضية
8- والا أن دروا عنا يحيلون من دوني
وانا على لا ماك روحي شقاوية
هذه القصيدة بكاملها ومعناها الصحيح. علماً أنه سبق أن تم إبلاغك بذلك خطياً عام 1426هـ عندما كنا في رحلة جميعاً إلى مقلع طميه.
آمل نشر القصيدة كاملة وذكر اسم قائلها الحقيقي ولك جزيل الشكر والتقدير
وبهذا قطع أخونا محمد الشك باليقين، وقطعت جهيزة قول كل خطيب، و(شيّ يبي شاهد، وشيّ شاهده منه)، وجلّ من لا يخطي وما آفة بعض الأخبار إلا بعض رواتها.
في الحلقة القادمة: (موت نخيل بيشة)
أخوك
محمد بن سعد بن محمد اليحيى
1 -6 -1431هـ