الثقافية - عطية الخبراني
قال أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية الدكتور علي الصوينع: إن المكتبات الخاصة هي المكتبات المنزلية التي يبدأ بجمعها المثقفون والعلماء منذ بداية اهتماماتهم القرائية والبحثية، أي أن المكتبات الخاصة تنمو مع عمر الإنسان وتتشكل طبيعة مقتنياتها حسب تنوع مراحل اهتمامات أصحابها وتبدل أعمالهم وتخصصاتهم، ومعظم المكتبات الخاصة لدى الناس من هذا النوع الذي يمكن أن أصفه بالمكتبات الوظيفية التي تتفاوت أهميتها العلمية وقيمتها الثقافية.
ويواصل الصوينع: وهناك المكتبات الخاصة المتوارثة أبًا عن جد، مما قد يجعلها غنية بالمخطوطات أو الوثائق والكتب النادرة التي يتجاوز عمرها المئة عام؛ بالإضافة إلى ما تتصف به الكتب من التعليقات والتملكات المهمة، لاسيما إذا كانت منسوبة إلى علماء أو شخصيات مرموقة ومهمة ضمن التاريخ الوطني أو في الثقافة العربية والإسلامية، والمكتبات الخاصة المميزة في مقتنياتها وتاريخها ينبغي المحافظة عليها كاملة باعتبارها جزءًا من التاريخ الثقافي العام أو من التاريخ العائلي أو المحلي، أما تعرُّض المكتبات الخاصة للتشتت والتجزئة فيفقد المكتبة النادرة أهميتها الثقافية وتميزها في التكامل الشكلي والموضوعي وبالتالي يقل ثمنها المالي عند تعرضها للتجزئة.
وفي رأي حول إهداء الكتب أو بيعها يقول الصوينع: يفترض في أصحاب المكتبات الخاصة عرضها على من يُقيَّمها ويقدر أهميتها من المتخصصين في المكتبات، خصوصًا خبراء المكتبة الوطنية والتي قد تحوزها بالشراء أو الإهداء، والمعيار المهم في تقييم وأهمية المكتبة الخاصة يأتي من معرفة سير أصحابها وطبيعة أبحاثهم واهتماماتهم في الحرص على اقتناء الكتب الجيدة التي تتصف بالديمومة أو الطبعات الخاصة الثمينة وربما بذلت الجهود والأموال في تتبع الكتب النادرة واقتنائها في حياة أصحابها، فإذا كانوا من جمَّاعي الكتب وعشاقها ولديهم رؤية ومواصفات خاصة في اقتناء الكتب المميزة أو الفريدة في شكلها أو موضوعاتها فإن هذه الكتب جديرة بالحفظ والصون تقديرًا لقيمتها المعرفية واحترامًا لأصحابها الأوائل بحيث يتم التصرف بها متكاملة دون تفريقها، سواء آلت إلى مكتبات وطنية أو إلى أفراد أو جهات أخرى تعتني بها.
وفي مختتم الحديث يشير الصوينع إلى أن المشكلة التي تحتاج إلى اهتمام، أن بعض المكتبات الخاصة النادرة قد تتعرض لإهمال الورثة وضياع بعض النوادر والمجاميع المهمة، سواء كانت من المطبوعات أو المخطوطات والوثائق أو الصور التاريخية، أما المكتبات المنزلية التي يتم تجميعها عشوائيًا أو حسب الميول القرائية العامة أو حسب تخصصات علمية سريعة التقادم فليست بذات أهمية، وقد يكون من المناسب إهداؤها إلى المكتبات العامة المفرقة في مدن المملكة، أو قد يكون مصيرها دكاكين الكتاب المستعمل.
فيما قال الكاتب عبدالرحمن المعمر حول ذات الموضوع: أنا ضد إهداء المكتبات الشخصية للمكتبات العامة أو الوطنية أو إلى الجامعات، وقد زرت تونس والمغرب والعديد من الدول ووجدت أناساً منازلهم أضيق من منازلنا ولكنهم برغم ذلك ما زالوا يحتفظون بإرث آبائهم وأجدادهم وكل جيل يأتي ليقرأ فيها، ويباهون بها وهذا إن دل فإنما يدل على أن منازلهم ضيقة ولكن صدورهم واسعة بعكسنا تماماً، أما نحن فإن أول ما يتخلص منه ورثة الأديب أو العالم هي مكتبته ويزهدون فيها ويبتذلونها بعد أن بذل فيها الجهد والعمر، وأذكر أن أحد الأدباء الكبار كتب في مكتبته بيت الشعر التالي:
أقلب كتباً طالما قد جمعتها
وأفنيت فيها المال والعمر واليدا
وأعلم حقا أنني لست باقيا
فيا ويح شعري من يخلفها غدا
وكأنه أدرك أنه سيأتي أناس ليسوا أكفاء لها.
ويتابع: إن إهداء المكتبات الخاصة لبعض المكتبات أو الجامعات ليس هو الحل فإن بعض الجامعات وبعض المؤسسات الثقافية فيها موظفون غير مثقفين، فيزدرون هذه المكتبات المهداة لأن كل شيء يهدى يزدرى، فلو أصر الورثة على أخذ قيمة لها لكان أفضل، أما أن يعطوا خطاب شكر أو درعا تكريميا فهذا ليس حق المكتبات لأنها ذات قيمة، وهناك بعض الموظفين في الدوائر الرسمية إذا جاءتهم كتب كإهداءات مجانية فإنهم يهملونها ويضيع أكثرها وتختطف وتباع النوادر منها في أسواق الحراج لأنها لم تسلم بكشوفات وبطرق رسمية، لكن إن بيعت هذه المكتبات فسيتساءل هذا الموظف عن قيمتها.
ويختتم حديثه قائلاً: أناشد ورثة الأدباء والعلماء أن يحافظوا ويهمتوا بكتب أبائهم وأجدادهم فربما يأتي من الأجيال القادمة من يتتلمذ عليها فيكون كاتباً أو أديباً أو عالماً ويتربى فيها كما تربى أبوه وجده، داعياً الجزيرة الثقافية أن تتبنى هذا المشروع وأن تدافع عنه وتكافح حتى تبقى هذه المكتبات في أماكنها لأنها لو انتقلت من أماكنها ضاعت قيمتها كما تضيع قيمة الرجل إن خرج من بيته.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من المكتبات الخاصة قد تم إهداؤها إلى مكتبات الجامعات أو المكتبات الوطنية والمراكز، حيث أفاد للثقافية أمين عام مركز صالح بن صالح الاجتماعي بمدينة عنيزة الدكتور جمعة موسى أن من أبرز من أهدوا مكتباتهم الخاصة إلى مكتبة المركز هم الأساتذة صالح بن ناصر الصالح، عبدالعزيز بن علي المساعد، إبراهيم محمد القدهي، إبراهيم محمد الحسون، عبدالملك البسام والتي تحتوي على أنفس المراجع والكتب والموسوعات، بالإضافة إلى العديد من المكتبات التي أدمجت في المكتبة الرئيسة في المركز.
فيما أشار الباحث والأديب الدكتور عبدالرحمن الرفاعي إلى أن مكتبة المؤرخ الراحل محمد بن أحمد العقيلي قد أوصى بإهدائها قبل وفاته إلى مكتبة جامعة الملك سعود وهي عبارة عن قسمين، قسم خاص بالمخطوطات وقسم عبارة عن مكتبة عامة.
مؤكداً الرفاعي في نهاية حديثه أنه شخصياً قد أوصى بإهداء مكتبته الخاصة إلى جامعة جازان بعد وفاته.