قليلاً ما نجد فناناً شاملاً يتعامل بمختلف سبل التعبير وأدوات تنفيذ العمل الفني، وقليلاً أن يكون هذا الفنان متمكناً من كل تلك الإبداعات على اختلاف خاماتها وطرق التعامل معها؛ كالنحت وتشكيل الحديد والرسم المائي والزيتي والجرافيك والخزف.. الخ.. ومع ذلك يبرز لنا هنا وهناك بعض من هؤلاء منهم من استمر في التنوع، والغالبية اختاروا إحداها وواصلو إبداعهم فيها، والواقع أن في مثل هذا التنوع والقدرة على القيام بها في وقت واحد يثري الفنان بالخبرات ويتيح له فرص اختيار الخامة بناء على الموضوع والفكرة، كما التخصص أو التفرد بأحدها يمكِّن الفنان منها ويمنحه قدراً أكبر في الابتكار وتطويرها.
وتنوع وسائل التعبير عند الفنانين لم يكن جديداً أو مستحدثاً، فهناك الكثير من هؤلاء في تاريخ الفن التشكيلي مارسوا أكثر من خامة وتجربة، منهم الفنان دافنشي والفنان بيكاسو على اختلاف توجهاتهما وزمن حضورهما ونشاطهما الإبداعي، كما أن لنا في هذه المرحلة الكثير أيضاً من الفنانين الذين يجدون في هذا التنقل من خامة إلى أخرى متعة وسبيلاً لاكتشاف الكثير من أسرارها، ومنهم الفنان نبيل نجدي ضيفنا لهذا الأسبوع.
نبيل نجدي فنان يعد من المؤسسين للحركة التشكيلية، حاصل على دبلوم تربية فنية، ولديه خبرة في تدريس المادة لمدة ثلاثين عاماً، عمل مديراً لصالة (إبداع) للفنون التشكيلية بالمدينة المنورة، وعضواً في جماعة فناني المدينة المنورة منذ عام 1404هـ، وعضواً مؤسساً لجماعة أصدقاء الفن التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 1985م، وعمل أخيراً مشرف تربية فنية لمدارس الهيئة الملكية بينبع منذ عام 1421هـ، وشارك في معظم المعارض المحلية والخارجية، نفذ العديد من المجسمات في ينبع ومحافظة جدة من الرخام والحديد، مثَّل المملكة من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب، كمشارك في كل من: بينالي الشارقة الأول، بينالي اللاذقية الثاني، ملتقى الجنوب للفنانين العالميين بلبنان عام 2002م، وسمبوزيوم عاليه 2002م بلبنان.
حصل على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى في الفن التطبيقي لعدة سنوات من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وجائزة وشهادة تقدير من بينالي الشارقة، جائزة وشهادة وتقدير من بينالي المحبة بسوريا، شهادة تقدير من سمبوزيوم عاليه 2002م، حصل على شهادة شكر وتقدير على مشاركاته من معارض الحرس الوطني الجنادرية، كتب عنه بعض الكتاب، منهم: الناقد الفني عمران القيسي من لبنان وعاطف القاضي من ينبع السعودية ورجاء فايز عميدة كلية التربية بينبع السعودية والدكتور عبد السلام مصطفى من كلية إعداد المعلمين بالمدينة المنورة.
هذا هو الفنان نبيل، وبإيجاز فنان تعامل مع مختلف سبل التعبير التشكيلي الصعب منها والسهل، جمع قواسمها المشتركة، وأجاد التعامل معها باحترافية المتمكن من إبداعه، طوَّع الحديد وشكَّله وأنتج منه أعمالاً لفتت الأنظار وأحدثت الكثير من الإحساس بارتقاء الذائقة للمجتمع عند تنفيذها في ميادين ينبع التي وجد فيها الدعم والاهتمام فأحالها إلى معرض تشكيلي مفتوح تزدان شوارعه وميادينه بالأشكال الجمالية التي تحمل اسم هذا الفنان الذي لم يتوقف أو يكل أو يمل أو يشعر بالإحباط يوماً في وقت تراجع فيه الكثير من التشكيليين عن عشقهم، نحت في الرخام فأبدع، ونقش على الحجر بألوانه وخطوطه وأنماطه الشعبية فأجاد، وكسب الإعجاب، مارس الرسم بالفرشاة والألوان وتعامل مع الطباعة وخاض تجربة الجرافيك فأنتج الكثير من الأعمال التي حصد بها الجوائز.
التعامل مع أصعب الخامات
الفنان نبيل نجدي يرى أن الفن الملموس تمثله الكتلة، والكتلة تجسِّد الإحساس في الفراغ والفنان يحس الجمال ويضيف قائلاً: وجدت متعة في أن أجسِّد تلك الأحاسيس من خلال هذه التجارب المتنوعة الخامات.
وعن تجاربه يقول: إن في تنوع المراحل بالخامات أكسبني معرفة بها، لذلك تجدني أجسد بالرخام وتارة بالحديد وتارة أخرى بالنحاس وأحياناً بالفيبر وأحياناً باللون والكتلة معاً، أجد متعتي في العمل بها واستفدت من ذلك التنوع كوني خريج تربية فنية. وعن القاسم المشترك بينها قال: هو الكتلة. وعن رأي المتلقي في أعماله التي تزين الميادين في ينبع قال: إن على الإعلام دوراً في كشفه من خلال استفتاء عن ذلك. وحول مهمة تنفيذ هذه الأعمال وكيف تجاوز العقبات، قال الفنان نبيل نجدي: هذه رغبتي منذ أن تخرجت وأنا أعمل في إقناع المسؤول أن أعمل أشكالاً جمالية تشكيلية للميادين بالمدينة المنورة والحمدلله أن منَّ عليَّ بأن توافق الرأي والمغفور له المهندس محمد عبد العزيز الجويسر مدير الهيئة الملكية في ينبع آن ذاك وأتاح لي أن أعمل متحفاً لأعمالي تجاوزت 37 عملاً جمالياً يبدأ من مترين ليصل بعضها 23 متراً. وعن دور الجهات الأخرى في دعمه، قال: من المفترض أن تكون وزارة الثقافة والإعلام هي من تلعب هذا الدور في تعريف المسؤول عن الفنانين وعن أعمالهم وتطلب من الوزراء أن يعمدون وزاراتهم لشراء الأعمال الفنية لمكاتبهم والإمانات والبلديات شراء المجسمات الجمالية لتجميل شوارعنا بأيدي وأفكار أبناء الوطن ليفهموا بأن ذلك سيبقى ثروة وطنية نتفاخر بها كنوع من الثقافة الراقية. وعن تجربته بين المعارض الشخصية ووجود أعماله في الهواء الطلق، وعن أيهما أقرب للجمهور، قال: المعارض لا يزورها الجميع بالمملكة كما هو في الدول الأوربية، وإن زارها فهم فنانون يمارسون نفس الهواية يحضرون الافتتاح ليستمتعوا بجو اللقاء الجميل فيما بينهم ولكن لم يزرها الراغب في الاقتناء والشراء من أجل الاستمتاع بها في منزله ومكتبه لأن الوعي الجمالي لم ينتشر بعد في مجتمعنا بأطيافه لذلك أجد المشاركة والعرض في الخارج أفضل وأنجح. أما عن الجزء واقع الجوائز الحالية التي تمنح في المسابقات قال: الجوائز المالية التي تقدمها الوزارة أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد تلك الجوائز حافزاً لنا نحن التشكيليين فكيف تطلب منا المشاركة وهناك من المؤسسات من يعرض 100 ألف ريال كجائزة أولى، ووزارتنا الموقرة لم ترفعها حتى 50 ألف ريال، لهذا همست في إذن الوزير ولكن لم أجد التجاوب والدليل المسابقات التي أعلنتها الوزارة الآن.
وعن رأيه في تفاعل المجتمع قال: الفن التشكيلي يرفع متذوقه ويسمو به، كما أن على المجتمع الاقتناع بالأعمال الجيدة من الفن ليرفع بحسه وسلوكه.
وختم حديثه الهاتفي قائلاً: لماذا لا تقوم الصحف باستثمار الفن في صفحاتها بعمل مزاد علني لكل الأعمال ذات القيمة الجمالية بين الحين والآخر، لأن التسويق الجيد لهذه الأعمال سيزيد من ازدهار الحال، لهذا أنا أقترح أن تتبنى الصحف عمل مزاد فني للأعمال كل 15 يوماً مرة تدعو فيها كبار الشخصيات والمستثمرين وتسلط الضوء على هذا النوع من أنواع الاستثمار الجيد، فسوف يزدهر وسيعرف الكثيرون كيف يستثمرون أموالهم في أشياء ثمينة.
monif@hotmail.com