ضاق الفضاءُ فهل للطيرِ أوطانُ

هل للحمائمِ في غصنِ الهوى بانُ؟

لها من البانِ ما بانتْ غلالتُهُ

فبانَ عنها صباحَ النأي خلاّنُ

بانٌ وشآنٌ وداناتٌ مُرجّعَةٌ

وعادياتٌ لها في الروحِ ألحانُ

وساكباتٌ على جُنحِ الكلام أسىً

تُسامرُ الليلَ في بُردَيهِ غربانُ

دُروٌ تدورُ ودوراتُ الظلام على

نيرانِها تصطلي بالعزفِ نيرانُ

عودٌ يعودُ وما أبقى النوى وترًا

للناي حزنٌ وللأوتارِ أحزانُ

وللترحّلِ في شرعِ السُّرى سننٌ

سرُّ الرحيلِ سرى؛ يحدوهُ كتمانُ

تكتّمَ البوحُ لا نُطقٌ يُراودُهُ

في صمتهِ لغةٌ، والصمتُ عنوانُ

ترقرقَ الليلُ، شقّ الويلُ غربتَهُ

تفتّق السيلُ يروي وهو عطشانُ

تمزّقتْ حُجُبٌ ما عاد يسترُها

جدبٌ يظللهُ بالوهمِ بستانُ

يا شارباً بوحَهُ عرّج على مدنٍ

تظما وفي فمها بحرٌ وشُطآنُ

موجُ الكلامِ بها يمضي على عجلٍ

والسرُّ في صمتِها بالسرِّ يزدانُ

ضاقتْ وما اتسعتْ إلا لذاكرةٍ

يمحو صحائفَها سهوٌ ونسيانُ

خذلانُها لغةٌ، عرّج على مدنٍ:

خذلانُها لغةٌ، والصمتُ خذلانُ

ضاق الفضاءُ فضق ذرعاً بأذرعةٍ

إنْ طوّقتكَ طَوى كفيكَ حرمانُ

ضق بالحروفِ أسىً واستلّ بهجتَها

الحرفُ سجنٌ وصمتُ الحرفِ سجّانُ

ما راودَ الصبحَ بُهتانًٌ يُغازلهُ

إلاّ وراودَ شمسَ الحرفِ بهتانُ

للناي أشجانُهُ، للبوحِ غربتُهُ

ولاغترابِ الهوى صمتٌ وأشجانُ

هو الفضاءُ إذن، طيرٌ يُغادرهُ

كم عوّدتهُ على التوديعِ أزمانُ

ضاق الفضاءُ إذن.. بوحٌ ويتبعُهُ

خوفٌ وتسمعُهُ في الصمتِ آذانُ