استضاف برنامج «مثير للجدل» الذي يعرض على تلفزيون أبو ظبي الكاتبة والروائية المعروفة ليلى العثمان وقد شاهدت النصف الأخير من الحلقة وحاولت ألا أكتب عنها ليس لشيء إنما احتراماً لكاتبة بحجم وخبرة ليلى العثمان. حقيقة أخجل من انتقاد أو مناقشة حوار كانت ضيفته هذه الكبيرة، ولكن، ولأن بعض النقاط التي طُرحت استفزازية أجد نفسي مجبرة على التوقف عندها وسأتحدث عنها دون ترتيب.
النقطة الأولى هي الفوبيا التي تعانيها الكاتبة ليلى العثمان من كلمة جنس وقد يكون هذا بسبب القضايا والضغوطات التي تعرضت لها الكاتبة على يد المتشددين والإسلاميين داخل الكويت مما دفعها للتأكيد على أنه لا يوجد جنس فاضح في رواياتها، كما دفعها هذا إلى مهاجمة الروايات التي تحتوي على بعض المشاهد الجنسية!
وتطرقت أيضاً إلى هجومها السابق على الكاتبات السعوديات واعتذرت ليس لأنها وصفت كتاباتهم بالجنسية بل لأنه (ليس كل الكاتبات السعوديات يتحدثن عن الجنس في رواياتهن)!!.
أولاً إذا استدعت حاجة العمل الروائي إلى وجود الجنس فما المانع من توظيفه بطريقة تخدم العمل؟
وهل الجنس جريمة نخجل منها وننزه منها أعمالنا الأدبية؟! الجنس جزء من تكويننا ومن حياتنا ومن ممارساتنا لماذا لا نتحدث عنه عند الحاجة؟! لماذا لا يكون جزء من أعمالنا؟ لماذا ننظر إليه بريبة ونبعده عن أعمالنا وكأنه شيء إجرامي؟
الحرية التي تملكها ليلى العثمان لا أملك ربعها، ومع ذلك أجد أن نظرتها تجاه الجنس نظرة ضيقة جداً بعكس نظرتي أنا البنت القبلية التي نشأت على أن كل شيء يتعلق بالجنس هو عار يجب غسله بالدم.
هذه نقطة، النقطة الأخرى المتعلقة بهذا الأمر هي حديثها عن بعض الكاتبات السعوديات حيث أثنت على بعض الأسماء وهي أسماء تتواجد في المناسبات الثقافية المختلفة وقد تكون قد التقت بهن، وأنا لست ضد هذه الأسماء بل أحترمها، أنا فقط ضد هجومها على الروائية صبا الحرز فإذا كانت لا تعرف هذه الكاتبة أو تعرف ظروفها التي قد لا تسمح لها بالتجوال في المناسبات الثقافية والتعرف إلى الناس ومجاملتهم أو كانت تكتب باسم مستعار فهذا لا يعني أنها كاتبة رديئة، ولا يعطي الحق لكاتبة بخبرة وحجم العثمان أن تتحدث بازدراء وسخرية عن كاتبة قد تكون أفضل بل هي أفضل من بعض الأسماء التي ذكرتها في حوارها، والغريب أنها قارنت بين صبا الحرز وبين سمر المقرن وقالت إن رواية نساء المنكر أفضل من الرواية التي كتبتها الحرز ليس لأن عملها يحمل الإبداع بل لأن الكاتبة انتقدت هيئة الأمر بالمعروف ووضعت اسمها الحقيقي على الغلاف!!
من أين جاءت السيدة ليلى العثمان بوجهة نظرها هذه؟ ومن أخبرها وهي الكاتبة صاحبة الخبرة الطويلة بأن الرواية الناجحة هي الرواية التي يكون كاتبها صاحب موقف أو مقاتل ضد فئة معينة من الناس؟ ألا تعلم كاتبتنا العزيزة أن العمل شيء وصاحب العمل شيء آخر تماماً؟!
أنا عندما أقرأ رواية لا يهمني إن كان هذا العمل ضد الهيئة أو معها، يهمني بالدرجة الأولى جودة هذا العمل، والكتابة عموماً فن وموهبة لا يملكها إلا من وهبهم الله الموهبة وصبا الحرز موهوبة سواءً كتبت باسمها أو باسم مستعار وهذا لا يلغي وجودها ومن يسخر من الآخرين ويتجاهل إنتاجهم بسبب شكليات لا أهمية لها هو إنسان لا يضع الأمور في نصابها الصحيح ولا يملك بعد نظر.
الغريب في الأمر أن العثمان لم تتردد في الإشارة إلى السعوديات اللواتي كتبن عن الجنس ولكن حين سألتها المذيعة عن بعض الكاتبات العربيات، قالت: نعم هناك بعض الكاتبات. فطلبت منها المذيعة أن تذكر بعض الأسماء؛ حينها رفعت الكاتبة ليلى العثمان يديها الاثنتين وقالت: «لا لا لا ما أبي أزعلهم لأنهم صديقاتي»!!!
ما تبي تزعلهم بس السعوديات ومنهم صبا الحرز (بالطقاق يزعلون) لأنهن لسن صديقاتها!!
بالله عليكم أليس هذا الأمر غريب؟ والأغرب أن يصدر من كاتبة نحترمها ونقدرها إلى أبعد حد.
وقبل الانتقال إلى نقطة أخرى أود التنويه إلى أنني لا أعرف صبا الحرز شخصياً ولا أدافع عنها لأي سبب كان؛ أنا فقط أدافع عن عملها الناجح (الآخرون) هذا العمل الذي يتحدث عن مشكلة يعاني منها المجتمع الخليجي بشكل خطير وقد بلغ في الآونة الأخيرة حد التفاقم وبالرغم من أن موضوع الرواية يتحدث عن الشذوذ بين النساء إلا أن الكاتبة لم تتحدث عن الجنس بشكل مباشر أو مبتذل، ولم تدخل في تفاصيل جنسية، ولها كل الاحترام والتقدير على روايتها التي تدق ناقوس الخطر وتنبه المجتمع إلى وجود مشكلة أخلاقية مَرَضية في المدارس والجامعات والمجمعات النسائية وهي مشكلة تتضخم يوماً بعد يوم.
النقطة الأخيرة التي تحدثت عنها الكاتبة القديرة ليلى العثمان الحجاب والنقاب، فحين سألتها المذيعة عن أسماء الأديبات الكويتيات المحجبات قالت وبصرامة: لا يوجد أديبة محجبة في الكويت، الأديبات الكويتيات (منفتحات)! وقالت أيضا: النقاب دخيل على المجتمع الخليجي وقد جاء بعد الثورة الإيرانية.
أولاً أن تكون المرأة محجبة هذا لا يعني أنها غير منفتحة، الإيمان بالله وارتداء ما يناسب هذا الإيمان شيء بين الإنسان وخالقه أما النقاب الذي قالت عنه حرفياً: إن المرأة ترتديه (تستراً) وليس (ستراً) ويجب خلعه عنها بالقوة دون الرجوع إليها وهي المعنية بالأمر. فهذا كلام عنصري متطرف ويقع تحت بند مصادرة الحريات كما أن حكمها العام على المنقبات بأنهن يرتدين النقاب تستراً لممارسة الأمور الممنوعة أو المخلة هو حكم قاصر وناقص ولا ننتظره من كاتبة كبيرة وقديرة مثل ليلى العثمان. فقد علمتنا الكتب التي نقتات منها المعرفة أن الإنسان خلق حراً يلبس ما يشاء ويقول ما يشاء ويحيا كما يشاء دون المساس بالذوق العام ولا أعتقد أن النقاب يخدش حياء أحد. كما أنه لم يأتِ من الخارج فالمرأة البدوية الخليجية ترتدي (البرقع المقرون في الكويت والسعودية منذ أزمان) وهو في النهاية نقاب، والمرأة في بعض مناطق عسير ترتدي الملثم وهي في سن السادسة وهو نقاب أيضاً. ولا أعتقد أن إيران لها دخل في هذه الأمور كلها.
المؤلم حقاً في هذا الموضوع كله أن معظم مثقفينا لا يؤمنون بحرية الآخر الذي لا يشبههم ولا يشعرون بوجع الإنسان المحروم من الحرية بل يتعاملون معه بفوقية، وقد وجدتهم وأنا لست بعيدة عنهم (عنصريون) الفرق بينهم وبين المتشددين والقبليين أنهم يملكون أقلاماً يبررون بها عنصريتهم ويلمعونها!.
مع الاحترام والتقدير للكاتبة الكبيرة ليلى العثمان.
دبي
amerahj@yahoo.com