كل أصدقائي المثقفين مهمومون ومصابون بالغم. وقد كنت أحاول أن أهرب منهم دائما إلى أشخاص مرحين يضحكون ولو لبعض الوقت على الأقل، وينسون العالم ولو لنصف أو ربع الوقت.
كنتُ أمازح صديقي المثقف يومًا فوجدته قد غضب مني لأن الدنيا في رأيه بها مصائب و(بلاوي) ولا تستحق منا أن نمزح، ولم يقل أن نضحك!
لكن ليس كل المثقفين هكذا، غير أن كلهم معذورون ويدفعون ثمنا باهظا لوعيهم وثقافتهم كما يبدو.
فقد وجدت دراسة أخيرة أن المثقفين هم أكثر الناس في المجتمع شعورا بالتوتر والقلق، وأن هؤلاء يعانون القلق أكثر من غيرهم الذين حصلوا على قدر متواضع من التعليم والثقافة.
ومن أسباب هذا القلق الكثير الذي يعانيه المثقفون في العالم كله هو أن لديهم وعيا أكثر من غيرهم من البشر يجعلهم على معرفة بخلفيات ما يجري من حولهم من أحداث وقضايا.
وأكثر من القلق اكتُشف أن وعي المثقف يسبّب له حساسية زائدة عن باقي البشر، ومن ثم تنعكس الأحداث الجارية على وعيه بطريقة تصيبه بالاكتئاب.
واتضح من الدراسة أن الفئات التي لديها قدر عال أكثر من الثقافة والمعرفة كالأدباء والشعراء تشعر بالقلق على نحو دائم ومستمر؛ لأنهم يقضون معظم يومهم في التفكير بأحوال الدنيا وفي أسباب الأحداث الجارية التي تؤثر على مجتمعاتهم، ويكونون أكثر الناس تأثرا بها.
لكن يا ليت أن المسألة تتوقف عند التوتر والقلق فقط؛ فذلك ربما يهون؛ فقد تبين أن هذه الحالة تنسحب على الحالة الصحية بصورة عامة؛ فالمثقفون - يا عيني - يشكون من أمراض عضوية ونفسانية أكثر من غيرهم بكثير.
صحيح أن هذا القلق والتوتر يُنتج إبداعا أحيانا، غير أن تكلفته الصحية غالية جدا، وأحيانا مميتة على المثقف الغلبان.
كل شيء اليوم له ثمن ومشاكل ومساوئ وربما (بلاوي)، لكن ماذا يصنع العباقرة والمبدعون والفنانون والأدباء إذا كان قدرهم أن يحملوا كل توتر المجتمع في قلوبهم، وكل مصائب الناس يخبئونها في داخل أرواحهم الرقيقة؟..
الحال اليوم يقول جملة غير مفيدة هي: لا وعي بدون ثمن، ولا ثقافة بدون أمراض!
albassamk@hotmail.com
المنامة