حضور الفن الطاغي منذ القدم سببه اتخاذ الإنسان له كأداة يمارس فيها طقوسه العقائدية، بل إن ارتباط الفن بالدين كان من القوة أن أصبح تمثيل المعبودات بأسلوب فني ذو سمات محددة متطلب عقائدي في الثقافات المصرية القديمة والإغريقية والرومانية وثقافة بلاد الرافدين والأناضول وحتى في جزيرة العرب، والتي ارتبط تحريم الفن فيها بتحريم عبادة الأصنام لدى العديد من الناس.
وزاد ربما ارتباط الفن بالدين في الغرب وخصوصا لدى المسيحيين في أوربا حتى عصر النهضة حين بدا الفن ينسلخ عن المعتقد مع انسلاخ المجتمع عن الدين بشكل عام، ومن هنا بدأ الفن ينمو بمعزل عن التأثير المباشر أو الارتباط الوظيفي بالدين ربما لأول مرة، ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أنه في معظم العصور لازم لقب الفنان الممارس الذي يجيد أو يتقن مهارات يدوية معينة، وهو ما نراه جليا في فترات قريبة قبل الطفرة والانفتاح لدينا في زمن الحرفة حين أطلق المجتمع لقب فنان على الصانع الذي يتقن حرفته.
وفي الوقت المعاصر ومع الحداثة في الفكر والأدب وبالطبع الفنون، بدأ تقييم الفن يخرج من إطار الصنعة ومهارة الأداء كما كان سابقا، فتحول إلى جزء من الفكر مرة أخرى، لا الفكر الديني تحديدا كما كان، إنما الفكر الثقافي بعمومه، والذي يتمثل في المجتمع بأبعاده السياسية والاقتصادية وكل مكوناتها الفكرية، بل أصبح الفنان ناقداً في حد ذاته لتلك المضامين لا مؤدياً، ولكن استبدل القلم بكل شيء بصري محسوس، وإن كان القلم أحدها.
أيضا نوع الفنان من أدواته وخاماته بل وأبعاده حتى لم يعد للبعد معنى، خرجنا من مفهوم الفنان الصانع والحرفي والماهر والمُجيد إلى مفهوم الفنان المثقف الذي يحمل هماً ورغبة قوية في التنفيس والتعبير سواء أكان اشتراكي التفكير في التعبير عن المجتمع أو رأسمالي التفكير في التعبير عن ذاته، والفنان هو فقط القادر على ذلك التعبير بما يملك من أدوات، وأهم من ذلك هو المبدع والمبتكر وربما "المجنون" إذا افترضنا أن بين الجنون والعبقرية شعرة!
وعليه أصبح الفنان جزءاً هاماً من الثقافة وراصداً ومعبراً عنها، والفنان المثقف اليوم يقرأ الكتب ويقرأ في المجتمع وفي العيون والمشاعر، يجيد ترجمة ما يراه إلى رموز وأشكال بصرية ثابتة أو متحركة، والهدف الأسمى هو تحريك مشاعرنا وعقولنا لننتهي إلى جمال الفكرة وأثرها دون التركيز على جمال المظهر، فمهارة الفنان تُحسب بمدى ثقافته وقدرته على تثقيفنا من خلال الرمز البصري في مضمون العمل، لذا الفنان= مثقف!!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 7816 ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض
msenan@yahoo.com