إن ما يسمى بـ(ثورة المعلومات) التي انطلقت في أواسط السبعينات ونضجت بحلول التسعينات أحدث ما يشبه انقطاعاً في مسلسل التطوّر التاريخي بحيث لم يعد للسلاسل اللاحقة ارتباط حقيقي بالسلاسل السابقة. وهذا أضعف دور الماضي كعامل فاعل في صياغة مكونات الحاضر والمستقبل ومن مظاهر ذلك الانقطاع: فقدان السيطرة على المستقبل والسماح لذلك المستقبل بالاستيلاء على دور الماضي وأخذ موقعه من حركة ومكونات الحاضر. لذا نلاحظ أن القرارات الحياتية والتوجهات المستقبلية للأفراد والشعوب صارت أكثر رضوخاً لتوقعات المستقبل وأقل اهتماماً بذكريات الماضي وأحداثه وأحلامه.
لهذا يعيش عالم سنوات نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تطورات متسارعة، كما تسوده أفكار ثقافية ومواقف مجتمعية كثيرة التبدل والتقلب. وهذا جعله يخضع لقوى مجتمعية غير محددة (الهوية) ويسير نحو أهداف أقل تحديداً -أيضاً-. إنه في الواقع تبدو كل الأنظمة الحياتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية وما ينتج عنها وما يرتبط بها من مؤسسات وكأنها ترزح تحت تأثير عملية (تَغَيّر) معقدة. أقرب للفوضى وأبعد ما تكون عن التنظيم!.
أن النظام العالمي الذي تبلور في أعقاب نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي صار نظام (اللانظام)! نظام الفترة الانتقالية بين عصر حضاري وآخر، بكلما يسودهما من فوضى! وكلما يتحكم في مسيرتهما من قوىً اجتماعية متضاربة الجذور والغايات. ولكن عدم القدرة على تحديد هوية قوى التغير المجتمعية لا يعني عدم القدرة على التعرف على مصدرها ودوافعها وإن هذا المصدر عامة: رأسمالي غربي. والدافع أساساً: اقتصادي مادي!، وأثناء نشاط العملية الاقتصادية تنشط العمليات الإعلاماتية الكونية محاولة إعادة صياغة ثقافات مختلف الشعوب وخلق ثقافة عالمية (فوقية) تخدم الاقتصاد مما يجعل الأمم والشعوب باختلاف ثقافاتها وتباين مواردها وتفاوت مقدراتها وثروتها ترزح تحت عبء تأثير إعلام كوني لا يعترف بالثقافات الوطنية ولا الحدود السياسية ولا الإنتماءات الطائفية أو الدينية وبسبب طبيعتها التراكمية صار يمكنها التأثير سلباً في حياة كل الطبقات والمجتمعات بدون استثناء.
Jarallah_al7maid@hotmail.com
حائل