سيبقى السؤال ما بقي مغرم ومغنم؛ فأين الواجهة؟ أو إلى أين التوجه؟ وبمباشرة أكثر فما هي البوصلة التي تحرك ذواتنا نحو الرضا من الله وعن النفس وبين الناس؟
يتسابق الكثيرون ليكونوا في الصورة الاجتماعية فتستهويهم فلاشات التصوير، وبذخ الأضواء، ورتب الداعين والمدعوين، وارتفاع الكرسي، ويرون أنهم يحققون أمجادا ويصعدون نجادا، وربما حققوا تصالحا خارجيا, ولا ندري عن التصالح الداخلي الذي يعيشه كل فرد وفق اقتناعاته.
والممضى عنه بلغ القمم الظاهرة التي تشخص إليها رؤوس ونفوس، لكنه لم ير الآخرين صغارا؛ حتى إذا نزل عنها ظل في نظر الناس عليها؛ كبيرا لم يتضاءل، وحاضرا لم يضمحل، والتجربة في كثيرين ماثلوه في بعض مكتسباته ألا رهان على ذواكر لا تحتفظ إلا بمن يدق منصبه في سمعها كل يوم.
هذه حال الحياة الدنيا التي قد يرتضي بعض أحيائها الدنية؛ فيتزاحمون بالمناكب، ويسيرون خلف المواكب، ويكفيهم إشارة العابر ولو جاءت من العاثر، لكن (أبا حمد)- أستاذ الجامعة قبل ربع قرن - هو ذاته- بعد ربع قرن - حين عاد الوراق إلى أوراقه، والمعلم إلى طلابه؛ لأن الإنسان داخله هو الموجود خارجه؛ فما شهد احد عليه أو عنه بتبدل أو تحول.
الدكتور، الوزير، صاحب المعالي، عضو المجلسين، البروفسور، هو علي بن إبراهيم (الحمد) النملة، وما أجمل وفاءه لجده؛ سمى به أكبر أبنائه، وصدره في سيرته وبعض مؤلفاته، وظل - كما كان - وفيا، حفيا، هادئا، متواضعا، رفيقا، صديقا في عيون كل من يعرفونه دنوا أم نأوا.
مواصفات تثبت أن الثقافة، أولا وعاشرا ومئة، سلوك نمارسه لا ندرسه، ونتزيا به ولا يتزين بنا، وأن المراكز - مهما علت - مؤقتة بقرار أو فرار أو رحيل؛ ليبقى العطاء والتعامل نقطتي الوصل ونطاقي الفصل.
النملة الذي يقترب من الستين (1952) جمع الثقافتين العربية من كلية اللغة العربية في جامعة الإمام، والغربية في المكتبات والمعلومات من جامعتين أميريكيتين (فلوريدا الحكومية وكيس وسترن ريزرف)، كما عمل باحثا في ألمانيا، ومديرا تعليميا في الملحقية الثقافية السعودية بالولايات المتحدة، و(شوريا) لمدة ستة أعوام، ووزيرا مثلها، وباحثا وأستاذا -ما امتد به الأجل - أبقاه الله وأمد في عمره وبارك في عمله.
من البكيرية انطلقت أولى خطواته وما يزال منتميا لها في إطار انتمائه الوطني ،سعيدا بما حققه من إنجازات علمية على مدى ثلث قرن؛ أصدر فيه ثلاثين كتابا وثلاثين مقالا علميا،عدا إسهاماته المنبرية التي تشير إلى رؤية، وروية، وسعة أفق، وامتداد معرفة، وميل إلى الكتابة التخصصية في قضايا المعلومات والاستشراق والعولمة.
لإمضاء حيز تقف عنده أو دونه، لكن الحديث عن هذا الأكاديمي الإنسان متسع بحجم الجمال الذي يبهجنا فنبتهج.
التاريخ سيرة.